آداب المعلم والمتعلم في التربيــة الإسـلامية

التربية الإسلامية هدفها في المقام الأول إعداد المسلم من أجل القيام بدوره على أكمل وجه تجاه إعمار الأرض، ومن ثم فهي تعتمد على رؤية شاملة من حيث الاهتمام بكل من الفرد والمجتمع والفكر الإنساني.

وتعتمد التربية الإسلامية على عنصري المعلم والمتعلم؛ حيث حددت خصائص محددة لكل منهما في إطار منظومة عامة تتضمن صفات النظافة والطهارة والنقاء.

آداب يجب أن يتحلى بها المعلم

من الضرورة بمكان أن يتحلى المعلم بحسن المظهر وذلك من خلال الحرص على النظافة والطهارة والنقاء، إلى جانب التواضع في المسلك، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنى. وكذلك الحلم والصبر من حيث الطمأنينة عند ثورة الغضب، ووضع حد فاصل بين مشكلات ومتاعب المعلم وبين مهام عملية التعليم؛ بحيث لا يغضب من أسئلة الدارسين وإتاحة الفرصة أمامهم لطرح وجهات النظر والحوار، وهذا حقهم؛ لأن هدفهم الأسمى المعرفة، ليس هذا فحسب بل يجب على المعلم أن يكون عالمًا ورعًا بأن يستزيد من العلم وأن يعمل به، فالاستمرار في طلب وتحصيل العلم من الأوامر الإلهية مصداقًا لقوله عز وجل: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)(سورة طه: الآية 114)، وفيما يتعلق بالورع أن يكون تقيًا في سلوكه.

تلك صفات عامة تتعلق بشخصية المعلم (1)، أما عن الآداب الخاصة بالأداء فتتمثل في: قدرته على إرشاد وتوجيه المتعلم إلى العلوم التي تتناسب وقدراته وملكاته مع مراعاة حاجة المجتمع، واتباعه مبدأ التدرج في عملية التعليم من حيث البداية بالسهل في تقديم المعلومات متدرجًا إلى الصعب بما يتلاءم مع الأعمار والمستويات العقلية والزمنية مع المتعلمين، وكذلك مراعاة الفروق الفردية بين جموع المتعلمين من حيث الذكاء والاستجابة والمرونة(2)، ومن الآداب في هذا السياق أيضًا الشفقة والتضحية، فالشفقة هنا بمعنى التعامل مع المتعلم مثل الابن من حيث المكانة وعدم وجود سدود بينه وبين المتعلم سواء داخل مكان الدرس أو خارجه، بحيث لا يُشعِر الدارس بضيق إذا ما سأله عن مسألة ما في أي وقت، وحين يكون المعلم أبًا وصديقًا ومرشدًا للمتعلم تصبح العلاقة بينهما علاقة ود واحترام وتقدير وإجلال.

وتعتمد التربية الإسلامية على عنصري المعلم والمتعلم؛ حيث حددت خصائص محددة لكل منهما في إطار منظومة عامة تتضمن صفات النظافة والطهارة والنقاء.

آداب يجب أن يتحلى بها المتعلم

هناك صفات عديدة يجب أن يتحلى بها المتعلم منها: أن ينوي طلب العلم بهدف إرضاء الله عز وجل والتخلص من الجهل والمساهمة في إعمار الأرض مع نظرائه، وهذا له أثر كبير في السداد والنجاح والتوفيق، والنية هنا تحول العمل من عادة إلى عبادة، وبذلك تحقق التربية الإسلامية هدفها؛ فطالب العلم عليه أن يبذل الجهد للتحصيل ومن ثم نشر ما تعلمه. ومن الضروري أن يتصف أيضًا بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب والسعي الدائم، وكذلك الورع الذي ييسر عملية التعلم، والحرص على أداء الصلوات في أوقاتها مما يجعل المتعلم مدركًا لقيمة الوقت، وأهمية التكافل والتعاون والوحدة حينما يؤدي الصلوات جماعة، وأن يكثر من ذكر الله وشكره، وفي ذلك اعتراف بنعم الله عز وجل، إلى جانب الدعاء الذي يجعل المتعلم مؤمنًا بأن الله سبحانه وتعالى هو الرازق مجيب الدعاء، ولا شك أن هذه الصفات تبعده عن المعاصي التي تعوق عملية التعلم.

ومما يجب التنبيه إليه أن هناك آداب يجب أن يتبعها المتعلم تجاه نفسه منها: أن يشغلها بحب الخير والقيام به، والابتعاد عن الأخلاق الذميمة مثل الكذب، الغدر، النميمة، الغيبة، النفاق، وأن يتخلص من العلائق الدنيوية حتى يحقق الهدف من عملية التعلم من طلب رضاء الله، وأن يكون رفيقًا بنفسه وألا ينهك قواه في طلب العلم.

هناك آداب للمتعلم تجاه الآخرين مثل: احترام وتوقير معلمه والتواضع معه، وألا يمشي أمامه ولا يجلس مكانه، وإذا ما بدأ الكلام فيكون بإذن معلمه، مع حسن اختيار الرفقاء ممن يتمتعون بالخلق الكريم وحب العلم وصفاء القلب، ويعد هذا قوة دافعة إلى طريق الخير.

خطوات التعلم الناجحة

قدم الفكر الإسلامي التربوي طرقًا وأساليب ناجحة للتعلم مثل المناظرة والمطارحة والمذاكرة والسؤال، والفهم والتأمل والتكرار.

طبقت التربية الإسلامية طريقة المناظرة كوسيلة من وسائل التعلم، حيث يتحاور طرفان حول موضوع محدد، يحاول كل طرف إثبات وجهة نظره، وهي مقيدة بواجب أخلاقي من حيث إظهار الحق ولو على يد الخصم، وتجنب الغضب أثنائها والتأمل قبل الكلام، وكذلك طريقة المطارحة التي تعد طريقة فطرية إدراكية للتفكير السليم، وتقوم على مناقشة متبادلة بين جانبين تشمل أسئلة وإجابات غرضها إزالة الأوهام عن العقول، وتستخدم من أجل وصول المتعلم إلى الحقائق القائمة على منطق العقل، وكذلك طريقة المذاكرة التي تثبِّت المحفوظ، وأفضل أوقاتها الصباح الباكر حيث صفاء ونضج الذهن، وفي الليل حيث تصل الضوضاء إلى أقل درجة أو تنعدم. وطريقة السؤال التي تعد وسيلة مهمة من وسائل التربية الإسلامية والمعرفية، والفهم ببذل الجهد قبل الكتابة والحفظ، وهذا يساعد على إدراك العلاقات بين الأشياء وتكامل الخبرة (3)وأيضًا طريقة التأمل التي تتميز بالتعمق حيث تُعرض وجهات النظر وتُجمع الحقائق والأفكار وتتوازن الاستنتاجات، انطلاقًا من أن الإسلام وجَّه إلى النظر والتأمل كمنهج تعليمي، ولا نغفل طريقة التكرار التي تعمل على تثبيت المعلومات التي تعلمها الدارس وربطها، ولكي تنجح تلك الطريقة لابد من التكرار على فترات متقاربة (4).

لا شك أن العرب سبقوا الغرب فيما يتعلق بموضوع التربية والتعلم، وأن التربية الإسلامية ذات أصالة تؤكد أنها ما زالت تشكل قوة فكرية دامغة قادرة على المعاصرة بتقديمها أفضل الطرق والوسائل في هذا المجال (5).

المراجع
1-أمينة أحمد حسن: نظرية التربية في القرآن: دار المعارف، القاهرة، 1985م، ص268.
2- عبد الحميد الهاشمي: الرسول العربي المربي، ط2، دار الهدى، الرياض، 1405هـ، ط4 .
3- يالجن مقداد : توجيه المتعلم في ضوء التفيكر الإسلامي، دار المريخ، الرياض، 1402هـ، ص 85.