الطلاق وأثره على نفسية الطفل

الطلاق هو أكبر تهديد يواجه الأسرة ويؤثر على مستقبل الأبناء والأجيال. فبدون جو أسري هادئ ومستقر ينعم فيه الطفل برعاية الأبوين، لن يكون بالوسع تنشئة جيل سليم، قادرٍ على خوض غمار المستقبل، شاعرٍ بالمسؤولية تجاه مجتمعه وأمته. وخشية من الآثار السلبية على الأطفال الذين يدفعون ثمنًا كبيرًا لذنب لم يقترفوه، وحرصًا على تأسيس عيشة رغيدة لهم، دعا كثير من الآباء والأمهات إلى محو فكرة الطلاق من الأذهان بالمرة.

إن الأطفال هم أحوج المخلوقات إلى الاهتمام والرعاية. وكذلك الأطفال هم أمانة في عنق الأبوين ينبغي حفظها وحمايتها من كل السوء، وإلا لن يتم النمو البيولوجي والروحي بالشكل المرجو لأبنائهم. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد، إلى أن الطفل يتلقى التربية أولاً من البيئة الأسرية التي ينشأ فيها ويترعرع، ثم ينتقل إلى بيئة تعليمية أخرى خارج الأسرة كالمدرسة والمجتمع الذي يعيش فيه.

والجدير بالذكر أن الأبوة والأمومة تتطلب مسؤولية كبرى ووعيًا والتزامًا على الدوام. هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة الاهتمام بالأطفال، وبسْط أجنحة الحب والرعاية لهم، والعمل على تأسيس العيش الطيب لهم، وتلبية حوائجهم في هذه الحياة.

بينت الدراسات أن الأطفال في الأسر المستقرة، ينعمون بقدرات إدراكية تفوق بكثير قدرات أطفال الأسر المنفصلة… فيجب على الأبوين أن لا يغفلوا عن دور التربية التي تعدّ درعًا حصينًا يحمي أطفالهم من الأضرار والمساوئ، ومن جانب آخر يجب أن يعرفوا أن الأسرة التي تكثر فيها النزاعات وتسيطر عليها الآراء الفردية؛ تكون سببًا في تدهور معنويات أطفالهم وحالتهم الروحية.

إن الطلاق يؤثر على الأطفال أكثر من غيرهم؛ لأن المأوى الوحيد بالنسبة لهم هي الأسرة؛ يتربّون في كنفها ويتعلّمون فيها ما ينفعهم ويفيدهم في الحياة. بالإضافة إلى أن وجود الأم والأب تحت سقف واحد، يشعر الطفل بالسعادة الدائمة والأمان المستمر. أما النزاعات المتواصلة داخل الأسرة، يجعل الطفل ينظر إلى الحياة نظرة سلبية، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى تزعزع عالمه الداخلي الروحي. أي، عندما يقوم الأب أو الأم بالانفصال رغبة في تأسيس أسرة أخرى أكثر سعادة وأمنًا، فإنهما يكونان -بشعور منهما أو بلا شعور- قد حوّلا حياة طفلهما إلى عذاب وشقاء، وذلك أن تفكك الأسرة التي تعتبر صمام أمان في حياة الطفل، قد يُفرز مشكلات نفسية وروحية لديه في نهاية المطاف.

ولكي تتضح الصورة بشكل أفضل، تعالوا نستشهد بهذا المثال: حسن وحيد أسرته وعمره خمس سنوات، أبوه وأمه يعملان. وُلد في السنة الثانية من زواج أبيه بأمه، وعندما بلغ الثالثة من العمر، بدأت تظهر مشكلات في التفاهم بين أبويه. ورغم محاولة الأم والأب عدم إشعار حسن بهذه المشاكل، إلا أنهما كانا كثيرًا ما يفشلان في ذلك. وكلما يرى حسن ما يجري بين أبويه، ينتابه حزن عميق وخوفٌ يكاد يخرسه عن الكلام. وبعد سنوات قليلة تحوّل حسن إلى طفل عصبي تجاه زملائه في الروضة، كما أصبح طفلاً سريع البكاء والغضب، ثم بدأ يعاني من اضطراب في تناول الطعام وصعوبة في النوم، بالإضافة إلى تصرفاته الطفولية التي أصبحت تظهر بشكل ملحوظ. لقد تغيرت سلوكيات حسن نتيجة النزاعات التي شاهدها بين أبويه. والنتيجة كانت أن قرَّر الأبوان الطلاق، وأخبرا طفلهما بذلك. وبعد تنفيذ القرار تم الانفصال بين الأبوين، الأمر الذي ضاعف الخوف عند حسن، وجعله يضطرب ويقلق من فقدان أحبابه ومن البقاء وحيدًا في حياته. لذا تمسّك بأمه بشدة ورفض الانفصال والابتعاد عنها. وفيما بعد عاش حسن مع أمه، وكان أبوه يزوره في أوقات معينة.

ما ورد في هذه القصة هو دليل على أن قدرًا كبيرًا من مشكلات الأبوين في مرحلة الطلاق، ينعكس على نفسية الطفل وبشكل ملحوظ، ولكن ردود الأفعال تختلف وفقًا لعمر الطفل. إذن، يجب رعاية حالة الأطفال النفسية عند الطلاق وبعده، ومن الأفضل أن لا يكشف الآباء والأمهات عن مشكلاتهم أمام أطفالهم قبل الطلاق أبدًا، وأما بعد الطلاق فعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في تخفيض سلبيات الطلاق على الطفل إلى أدنى حد. ثم إذا كان الطلاق سينتهي بشقاء الأطفال واكتئابهم الدائم، فعلى الأبوين أن يقدّما مصلحة طفلهما على مصلحتهما الشخصية بلا تردد.

وينبغي علينا نحن الآباء، أن لا نكون سببًا في شقاء أطفالنا وتدمير حياتهم، بل ينبغي أن نتغلب على مشاكلنا العائلية بالهدوء والتروّي، ونُبعِد أنفسنا من الوقوع في مآزق لا مخرج لها. أما مشكلات الأطفال النفسية المحتملة، فعلينا تحليلها في حينها ووقتها المناسب، والمبادرة إلى حلّها بأفضل الطرق. ثم لا بد من القيام بكل ما يمكن فعله لئلا يتدهور العالم الروحي لأطفال لم يتخطَّوا مرحلة النمو بعد؛ إذ إن الأطفال الذين يعانون من تجربة انفصال الأبوين، تظهر لديهم وجهات نظر خاطئة عن الزواج، أو تنشأ لديهم -فيما بعدُ- مشكلات نفسية في حياتهم الزوجية. لذا، على الآباء والأمهات قبل قرار الطلاق، أن يفكروا جيدًا بمصير أطفالهم، وكذلك أن يستشعروا في قرارة أنفسهم نتائج القرار الذي يتخذونه حول الانفصال.

(*) كاتب وباحث تركي. الترجمة عن التركية: نور الدين صواش.