إلى أين؟

قالتْ: إلى أين، تستهدي ولا تقفُ؟

أزرى بك الوجدُ، أم أودى بك السَّرَفُ؟

وما لعينيكَ، ذاب الجمرُ، بينهما؟

بين المسالك، لا نَهْجٌ، ولا هدف

أراكَ تُدلج، كالمسلوب، مُنطلِقًا

فيكَ الظنونَ -كما يَهوَوْن- واختلفوا

تهامسَ الناسُ، عن نجواكَ، واختلقوا

وقد تساوى لديه الدرُّ والصَّدَف

فقلتُ: خلّي سبيلي، إنني شَبَحٌ

في لجّة، ضلَّ فيها الفكر والشرف

أهيم، كالأمل الحيران، مُنسرِبًا

إلا نوائبُ، تستشري، وتنذرف

والناسُ، ما الناسُ، إن لاموا وإن عذروا

طيفٌ، معَ الريح، أخفى لونَه السَّدَف

فليتني، والنوى تهدي بسابحتي

وما الحياةُ؟ فقالتْ: إنها الأَلَمُ

قالتْ: عَداكَ الردى، ما الموتُ؟ قلتُ لها

إن كانتِ الغايةُ الكبرى هي العَدَم!!

فقلتُ: ماذا يخاف المرءُ من عدمٍ؟

وقد ذهبنا، ولم يذهب بها القدم

كأسٌ، شربنا بها الآلامَ، من قِدَمٍ

بها، الفتى المُزدرَى، والسيّد العَلَم

وأعدلُ العدل، أن يُسْقَى سواسية

مَن غرّه المالُ، والسلطان، والحشمُ

قالتْ: أفي الناس شرٌّ؟ قلت: شرُّهُمو

وليس في أصغريه، غيرُ ما يَصِم

ما في يديه، سوى الأحزانِ يبذرها

وصان قيمتَه، إن هانتِ القِيَم

وخيرُهم، من جنى المعروفَ مُبتدِرًا

مُنضَّرَ الوجه، في عِرنينه شَمَم

يظلّ -كالطَّوْد- والدنيا تدور بهِ

فوق الحصون، تدانتْ تحتها القِمم

قالتْ: أرى المجدَ في الأسراب خافقة

وفي التماثيل، تَستحيي بها الأُمم

وفي المدائن -كالأعراس- راقصة

لما تجافَتْهمو، الأخلاقُ والذِّمَم

فقلتُ: زيفٌ أجادَ الناسُ صنعتَهُ

نفسٌ، تقمَّصها الوِجْدان والكَرَم

المجدُ في الخير، تُسديه وتَنشرُهُ

والشهبُ، ينبض في أحشائها السَّقَم

قالتْ: أرى البدر لا -كالبدر- مُنبهِتًا

فهل سقاها اللّظى، أم جفّتِ الدِّيَم؟

والريحُ سوداءُ، والأشجارُ ذابلةٌ

فقلتُ: نفسُكِ، فيها الحزنُ والبَرَم

أفي الطبيعة حزنٌ، أم بها بَرَمٌ؟

وتُبصر النفسُ، حتى والرؤى ظُلَم

قد تُبصِر العينُ، ما في النفس من ظُلَمٍ

شدا بها القلبُ، لا صوتٌ ولا كَلِم

قالتْ: فما الحبُّ؟ قلتُ: الحبُّ أمنيةٌ

ولا تأوَّهَ، في ترجيعها، نغم

ترنيمةٌ، لم يُردّد سحرَها وَتَرٌ

ولحنها، ضَرَم في النفس يضطرم

أنغامها، في حنايا الصدر، خافقةٌ

ومن ندى الفجر، فيها الحُسن يبتسم

فيها من الليل، أطيافٌ مَؤَرّقةٌ

ما ليس تحفظه، الأسفارُ والنُّظُم

قالتْ: حبتْكَ الليالي، من تجاربها

وغرّد الشعرُ -من نجواكَ- والقلم

وقد وعيتَ، من التاريخ عِبْرتَهُ

فقلتُ: قد يُلِهم المُستلهِمَ اللَّمَم

وددتُ أنّكَ لم تُمسِكْ، على لَمَمٍ

أغنتْه، إن أغنتِ، الأمثالُ والحِكَم؟

وأينَ في الناس، من تُجديه فلسفةٌ