نورانية شجرة الزيتونة المباركة

القرآن الكريم دستور المسلمين، وحضارة كاملة وشاملة لكافة الناس، وهداية ليعيش الإنسان مطمئناً مكرماً. وفي القرآن الكريم يتجلى علم الله سبحانه وتعالى بحجته على كافة البشر بأن محمداً عبده ورسوله. ومن البيان ما فيه الكفاية على صدق الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه من علم إلهي، يمكن للمسلم وغير المسلم إدراكه في كل زمان ومكان، ويواكب كل عصر بما فيه من تقدم تكنولوجي مصداقاً لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(فصلت:53)، وقوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾(النمل:93).

هذه الآيات القرآنية هي في حد ذاتها معجزة مستمرة للقرآن الكريم إلى يوم القيامة، وهذه الرؤيا التي يريها الله سبحانه وتعالى عباده مفتوحة في الزمان والمكان إلى يوم الدين. فالقرآن الكريم خارق للعادة في الأسلوب والبلاغة، مما يدل على صحة الدعوة. والمعجزة العلمية متجددة عبر العصور.

في عصرنا أظهرت البشرية قبولها النتائجَ العلمية، طريقاً متميزاً إلى معرفة الحق، وهذا تأتى للإنسان بعد الاكتشافات العلمية المذهلة مع التحكم في الأجهزة الدقيقة. وأساليب الدعوة كثيرة ومتنوعة، ومن بينها لغة الخطاب الموجه إلى الإنسان الذي يؤمن اليوم بالحجة والدقة العلمية؛ فكان لزاماً على المسلمين مخاطبة الناس بلغة العلم. فلغة العلماء هي الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، لكي نبين للناس فضل الله سبحانه وتعالى الآيات حتى يتبين لهم أنه الحق. فالمسلم يزداد إيماناً مع إيمانه، وغير المسلم تكون حجة عليه.

إذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات، فإن الله سبحانه وتعالى أرى أهل هذا العصر معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(ص:87-88).

أحد البحوث التجريبية العلمية التي قمنا بها في المغرب وفي قرطبة بأسبانيا، تتمحور حول تكنولوجيا شجرة الزيتون ومشتقاته.

شجرة الزيتون شجرة مباركة تنتمي إلى عائلة الزيتيات، معروفة منذ القـدم لشهرة زيتونها وزيتها، وتعيش ما بين 25° و45° من خطوط العرض ومع ارتفاع يقل عن 800 م -مع العلم أننا وجدنا أشجار زيتون على ارتفاع 1100م- عن سطح الأرض. تتميز هذه الشجرة بمتوسط عمر كبير جداً، وتتأقلم مع جميع أنواع التربة، مما يجعلها في مقدمة المقاومين للظروف المناخية المتقلبة.

هذه الشجرة هي من أصل بلدان البحر الأبيض المتوسط، وصلت إلى إسبانيا عن طريق الفينيقيين والإغريق. وإذا كان الرومان أول من نشر زراعة هذه الشجرة في كل شبه الجزيرة الإبيرية، فإن المسلمين هم الذين طوروا تقنية استخراج الزيت. وقبل ميلاد المسيح كانت هذه الشجرة موجودة في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية. وفي المغرب الشرقي يشكل الزيتون ومشتقاته أحد الركائز الاقتصادية المهمة للساكنة.

إن أزيد من 800 مليون شجرة من الزيتون في العالم تحتل 10 ملايين هكتار تقريباً. والكثافة الزراعية لشجرة الزيتون، موجودة في حوض البحر الأبيض المتوسط بنسبة 98% من المساحات المزروعة لهذا الغرض، مما يبين أهمية هذه الشجرة في هذه البقعة من العالم.

شجرة الزيتون قصيرة عادة، ولا تتجاوز 15 م، ذات جذع سميك -ويزداد سمكاً بزيادة عمر الشجرة- مليء بالعروق والتعرجات. شجرة الزيتون دائمة الخضرة وأوراقها قصيرة وحادة.

هناك أنواع كثيرة من ثمار الزيتون، فمنها ما هو أخضر وأسود وبنفسجي داكن (قريب للأسود) وغيرها من الأنواع الهجينة. شجرة الزيتون معمرة، ومعدل نموها بطيء. يتراوح معدل العمر عند شجرة الزيتون من 2000 إلى 3000 سنة. الشجرة مباركة حيث إننا نستفيد من زيتونها وزيتها وخشبها وورقها. وزيت الزيتون من أفخم الزيوت، وهو مفيد جداً.

الزيتون في القرآن الكريم والحديث النبوي

الزيتون من الأشجار المباركة والتي ورد ذكرها صراحة في القرآن الكريم ست مرات، والمرة السابعة غير صريحة. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يأكلوا من زيتها ويدهنوا به. وقد ثبت علمياً فوائد أكل زيت الزيتون والدهان به.

قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(الأنعام:99)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الأنعام:141)، وقال تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(النور:35)، وقال تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ﴾(التين:1-3)، وقال تعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النحل:11)، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾(عبس:26-32)، وقال تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾(المؤمنون:20).

عن أبي أسيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا الزيت وأدهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة” (رواه الترمذي)، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان، ودهنه بزيت غير كثير.

يتكون الزيت من الأحماض الدهنية (Fatty Acids) والجليسرول (Glycerol). وترجع القيمة الغذائية والطبية العالية لزيت الزيتون، لاحتوائه على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير المشبعة الأحادية، والتي تصل إلى 83% من زيت الزيتون، وهي تفوق نسبتها في الأشجار الأخرى بكثير، كما يحتوي زيت الزيتون على نسب عالية من الفيتامينات وخاصة فيتامين E.B والكاروتين، لذلك قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: “كلوا الزيت وأدهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة”.

التجارب

في تكنولوجيا شجر الزيتون المبارك، الحصول على نبيتات أحادية الصيغة الصبغية (n chromosomes) يشكل منعطفاً تجريبياً وتقنياً جد مهم. عزل البويضة أو حبات اللقاح، وزرعها في وسط زراعي متكامل مكون من: مواد ضرورية ومواد معدنية وفيتامينات وهرمونات نباتية. وقد وقع الاختيار على زرع حبات اللقاح لسهولتها من جهة ونضجها المبكر “نواتين”. في البداية لزم تفحص حبة اللقاح تحت المجهر الفلوري، وهو مجهر يمكن بواسطته للمواد امتصاص أشعة المجهر، وبعد ذلك انعكاس ضوء آخر مختلف تماماً عن الأول يسمى الـ”إشعاع الفلوري”.

خاصية الضوء

الضوء هو إشعاع كهرومغناطيسي ذو طول موجي، يمكن للعين البشرية أن تراه إذا وقعت طول موجته بين نحو 750 نانومتر (الضوء الأحمر) و370 نانومتر (الضوء البنفسجي). والعين تستطيع رؤية الأجسام غير الشفافة من خلال انعكاس الضوء عليها. كلمة الضوء تطلق على هذا الحيز الوسطي من طيف الإشعاع الكهرومغناطيسي، الذي يمتد من موجات الراديوية (أي موجات الراديو) المستعملة في إرسال الراديو بطول موجة بين السنتيمتر وعدة كيلومترات، ويمتد من الناحية الأخرى للطيف المرئي من الأشعة الفوق بنفسجية إلى الأشعة السينية، ثم إلى أشعة “جاما” التي تصدر من أنوية الذرات، ولها طاقات عالية ودرجة نفاذ عالية.

ينتشر الضوء في جميع الاتجاهات وبسرعة فائقة جداً، لدرجة لا يوجد في حياتنا اليومية أي شيء يدعونا للقول إنه يتحرك أسرع من الضوء. يكون انتشار الضوء في خطوط مستقيمة. تختلف حساسية العين باختلاف الطاقة الإشعاعية المستقبلة من الأجسام المضيئة أو المرئية. والعين قادرة على التمييز بين الألوان المختلفة المكونة للضوء العادي، ضوء الشمس المرئي الواصل لسطح الأرض، حيث إنه لكل لون خواص مختلفة عن اللون الآخر، حيث تقع حد حساسية العين في التمييز أو الرؤية للألوان أي للموجات الضوئية بين الضوء الذي طول موجته 400 نانومتر إلى 700 نانومتر، أي هاتان القيمتان هما حدود الإحساس بالرؤية. لكن للعين أيضاً أن تكشف الضوء بطول موجة خارج عن هذه الحدود إذا كانت شدة الضوء عالية لدرجة كافية. وتستخدم الألواح الفوتوغرافية والكاشفات الإلكترونية الحساسة للكشف عن الإشعاع، بدلاً عن العين البشرية وخاصة خارج الحدود المذكورة. هذه الحدود تعرف بحدود الضوء المرئي (Domaine du visible).

هذه النتائج المذكورة تبين جلياً بالصورة حبة اللقاح وكأنها ثريا مضيئة بمصابيح، وهي في الحقيقة تمت تسميتها بالحبيبات المضيئة الفلورية، وسبحان الله حين قال: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾.

والتجربة التالية هي عبارة عن عزل هذه الحبيبات المضيئة الفلورية، بعد عزل حبات اللقاح لأزهار شهر مايو 2009 وتحليلها بتقنية التحليل الكروماتوغرافي في الطور الغازي.

0.2 غ من محلول الحبيبات المضيئة الفلورية +4 مل من heptane + 0.4 مل من الخليط KOH في Méthanol. هذه العملية تتبع بارتجاج طاقي مهم. مستخلص الميتيل يمر عبر قناة التحليل الكروماتوغرافي في المجال الغازي مما يعطينا مخططاً لونياً (أنظر أسفل):

الرسم رقم 1: مقارنة تحليل مستخلص الميتيل للحبيبات الضوئية الفلورية لشجر الزيتون مع حبات اللقاح لزهر أركان لمنتوج 2009.

يظهر التحليل الكروماتوغرافي تحت المجال الغازي في الرسم رقم 1 والرسم رقم 2. النتائج تبين أن الحبيبات الفلورية المضيئة لحبات لقاح الزيتون تحتوي على أحماض دهنية octadecanoic acid methyl ester و cyclopropanedecanoic acid 2-octyl methyl ester

الأحماض الدهنية المشبعة تشكل سلاسل على التوالي، مما يسمح للكائنات الحية تخزين المواد الكيميائية والطاقة بنسبة مهمة جداً. الأنسجة الدهنية للحيوانات تحتوي على كميات كبيرة من سلسلة طويلة والأحماض الدهنية المشبعة.

جسم الإنسان لا يمكن أن ينتج اثنين من الأحماض الدهنية التي يحتاجها، هما حامض Linoleic وحامض Linolenic ألفا (LNA) يتم توزيعها على نطاق واسع في الزيوت النباتية. أحماض أوميغا 3 الدهنية Eicosapentaenoic حمض وحامض Docosahexaenoic لا يمكن أن تتكون في الجسم من المواد الأخرى، وينبغي إضافتها في الغذاء، وأنها تسمى الأحماض الدهنية الأساسية للبشر في الجسم. والأحماضُ الدهنية الأساسية هي في المقام الأول تستخدم لإنتاج مواد مثل الهرمونات التي تنظم مجموعة كبيرة من الوظائف، بما في ذلك ضغط الدم، وتخثر الدم، ومستويات الدهون في الدم، والاستجابة المناعية. يحتوي الدماغ على 60% من الدهون والأحماض الدهنية الأساسية لاحتياجات العمل بصورة سليمة، وهي متاحة فقط من خلال النظام الغذائي، أو من خلال التكميلية.

ورغم أن الجسم يحتاج إلى كل من أوميغا 3 وأوميغا 6 والأحماض الدهنية، ويوفر النظام الغذائي عادة كميات وفيرة من الأحماض الدهنية أوميجا 6. وعند مناقشة فوائد الأحماض الدهنية، فإن معظم الخبراء يركزون على الأحماض الدهنية أوميجا 3 التي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الدماغ من نمط الأفكار. أوميغا 3 والأحماض الدهنية جيدة للقلب، ويمكن أن يخفض معدل الوفاة من النوبات القلبية. هذه الأحماض الدهنية يمكن أن تخفض الكولسترول وTriglyceride لمستويات ضئيلة مما يؤدي إلى خفض ضغط الدم.