لماذا نَهْرَم؟ وكيف؟

آليات للإصلاح والترميم

هناك نظرية تقول بأن جزيئات الأوكسجين الطليقة، الموجودة داخل الخلية تقوم بتدمير الجزيئات الحياتية مثل (D.N.A) والبروتينات والدهون، مما يؤدي إلى إهرام الجسم، ولكن بالمقابل هناك وحدات أخرى في الخلية تم برمجتها لإصلاح ما ينتج من دمار. أجل، بفضل ما رُكّب في نظام الخلايا من آليات للإصلاح والترميم، يتم إزالة الدمار المؤدي إلى الهرَم قبل أن يكبر حجمه، أو تضبط جزئيات الأوكسجين المدمرة. وهكذا يتم تأخير الشيخوخة عن طريق إبطاء سرعتها.

على سبيل المثال، هناك أنزيمات تقوم بعملية الإصلاح هذه مثل أنزيم (Super Oksid Dismutase)، وقد أثبتت التجارب أن الحيوانات التي لا يحتوي جسمها على هذه الأنزيمات، شاخت بشكل أسرع مقارنة بأمثالها التي تملك هذه الأنزيمات. ولكن هناك بروتينات أخرى في الكائن الحي تمنع الجسم من إنتاج هذا النوع من الأنزيمات، وهذا يعني مواصلة الهرَم مسيره، إلا أن الباحثين يتطلعون إلى الحيلولة دون ظهور تلك البروتينات المانعة، وهذا يعني مواصلة آليات الإصلاح لأعمالها بصورة مطردة ودون أي خلل.

مهما يكن الأمر، فسيأتي يوم تعجز فيه هذه الآلية عن العمل بشكل جيد وتتعطل، ومن ثم تبدأ عجلة الشيخوخة بالدوران من جديد. المهم إذن، طول أو قِصَر عمر نظام الإصلاح الوقائي هذا. فمن تعطل نظام الإصلاح لديه دخل مرحلة الشيخوخة ولو كان في الثلاثين من العمر، بينما نرى من قد بلغ الخمسين يتمتع بقوة الشباب ونشاطه بفضل ما يقوم به نظام الإصلاح من عمل ممتاز.

معادلة الدمار والإصلاح في الجسم

والسؤال الأهم في ضوء ما سبق: كيف نتمكن من الحفاظ على معادلة الدمار والإصلاح في الجسم بطريقة مثالية؟

اللافت للنظر أن النصائح التي وردت ردًّا على هذا السؤال، ركزت على الجانب النفسي مثل اطمئنان النفس والأسرة والبئية، أكثر من الجانب المادي مثل الإقلال من كمية الطعام، أو الإكثار من الحركة، والاهتمام باختيار بعض الأغذية على الخصوص. وقد أثبتت الدراسات التي أجريت في السنوات العشرين الماضية وسط مجموعات مختلفة من القاطنين في دُور المسنين، ومنفردين وأرامل ومتقاعدين، ومن يعيشون مع أسرهم… أن الأشخاص الذين ينعمون في ظل حياة عائلية سعيدة مع أبنائهم وقد واظبوا على نشاطاتهم اليومية حتى بعد التقاعد، وخالطوا الشباب وسط إجلال وتقدير، قد أبطأت وتيرة الشيخوخة لديهم بشكل كبير؛ ولأن نظام الإصلاح الوقائي يعمل بشكل جيد، فهم يتمتعون بجسم يمتلك المناعة والمقاومة ضد الأمراض، ويقضون فترة الشيخوخة بصحة رائعة.

وبالمقابل ثبت أن الأشخاص الذين يعيشون منفصلين عن أبنائهم أو في دور المسنين أو فرادى بعد فقدانهم لأزواجهم، أو منعزلين عن المجتمع بعد التقاعد بلا نشاط ولا حركة… هؤلاء قد شاخوا بشكل سريع، وفقدت أجسامهم المقاومة ضد المرض، فماتوا بعد فترة قصيرة.

جسم صحيح ونفسية سليمة

ومن المعروف والملاحظ، أن الأفراد الذين يقومون بشؤونهم الخاصة بأنفسهم، ومن يعملون في سبيل غاية مثالية كأن يكونوا أعضاء في مؤسسات خيرية، ومن درجوا على القيام بنشاطات يومية منذ شبابهم في مواعيد معينة دون إهمال، ولم يقتربوا من المواد والعادات المضرة مثل التدخين والخمر والقمار، وقللوا من طعامهم دون إخلال ببرنامج الغذاء المنتظم، وابتعدوا كذلك عن النزاعات العائلية… هؤلاء نعموا بجسم صحيح ونفسية سليمة مستقيمة، كما نجحوا في ضبط التوازن بين الجزيئات المدمرة وآليات الإصلاح بصورة مثالية، وكان لذلك الفضل الكبير في التخفيض من سرعة عجلة الشيخوخة عندهم.

هذا ومهما أُخذت التدابير اللازمة، فقد يفاجأ الإنسان بأمراض تحدث في جسمه انهيارات فادحة تلعب دورًا كبيرًا في انتشار آثار الهرَم في الجسم، إلا أنه ينبغي أن نميِّز هذا من الهرَم الطبيعي.

معظم الباحثين يسلّمون أن الوقوف في مواجهة ظاهرة الهرَم أمر مستحيل، أما الدراسات التي تجرى حولها فهي محاولات للعثور على إجابات لأسئلة ملحة مثل “كيف نقضي شيخوخة قليلة المعاناة؟ أو كيف نختم حياتنا الدنيا بسلام؟”.

ــــــــــــ

(*) الترجمة عن التركية: نور الدين صواش.