لغة الكيمياء في الكائنات الحية

يتواصل البشر مع بعضهم بالأصوات.. تكوِّن الأصوات حروفًا، وتكوِّن الحروف  كلمات مفهومة أيًّا كانت اللغة التي نتكلم بها. إلا أن هناك عوالم أكثر هدوءًا، اللغة فيها ليست بالأصوات وإنما هي لغة الكيمياء. فلنأخذ مثالاً قريبًا من أذهاننا، وقريبًا من بيوتنا أيضًا: إنه النمل.

– نلاحظ أن النمل يسير خلف بعضه البعض في خط مرسوم لا تخرج أي نملة عنه، كنا نظن في البداية أنه خط وهمي، لكن ثبت غير ذلك.

ثبت أن النملة التي تعثر على الغذاء، تقوم بوضع الآثار في طريق عودتها إلى المنزل. هذه الآثار عبارة عن مادة كيميائية تضعها على هيئة خطوط متقطعة. وعندما تخرج النملات من المنزل تفهم الرسالة، وهي أن “في نهاية هذا الخط وليمة”.

لكن لماذا لا تضع النملة الخط متصلاً؟

ربما توفيرًا للمادة الكيميائية، وربما لأن الخط المتصل له دلالة أخرى لا أحد يدري على التحديد.

فلنجرّب النمل إذن.

قام العلماء بوضع تلك المادة الكيميائية على شكل دائرة تبدأ من عند باب البيت وتنتهي عنده.

هل سيفطن النمل للخدعة؟

لا بالتأكيد.. سيسير النمل على الخط أملاً في الوصول للطعام، ولكنه في النهاية سيجد نفسه في البيت.

إذا قمنا بإيذاء إحدى النملات في الصف، نلاحظ أن النملات المحيطة تصاب بحالة من الهرج وتجري في كافة الاتجاهات.

هل رأت النملات ما أصاب زميلتها؟

تفسير سخيف بالتأكيد، لأن النملة لا تعتمد على بصرها، ولا ترى نهائيًّا في بعض الأحيان.

ما يحدث هو أن النملة تطلق مادة كيميائية تحذيرية يشمها النمل فيفهم الرسالة وهي: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)(النمل:18).

مواد كيميائية كثيرة أخرى في عالم النمل، منها على سبيل المثال “جاذبات الجنس”، وهي التي تعني أن أحد الجنسين يبحث عن نصفه الآخر.

ليست لغة الكيمياء بعيدة عن الإنسان، فهو وإن كان يتواصل مع الآخرين بالكلام، فإن أعضاء جسده تتواصل معًا بالكيمياء.

نعرف جميعًا أن إيصال الرسائل في الجسد يتم عن طريقين:

البريد السريع: الأعصاب وهو أكثر كلفة، وأثره يدوم لفترة قصيرة.

البريد العادي: عن طريق لغة الكيمياء، تشمل هذه اللغة الهرمونات، والأنزيمات، والفيتامينات.

بمجرد أن ترى الطعام؛ يسيل لعابك لا إراديًّا استعدادًا لاستقبال الطعام.

يحدث هذا بأن ترسل العين والأنف إشارات عصبية إلى الغدد اللعابية في الفم قائلة له: “استعد، الطعام قادم”.

بمجرد أن يدخل الطعام فمك، تبدأ المعدة والأمعاء في العمل، لأن الرسالة وصلتهم: “استعدوا، الطعام قادم”.

وهكذا في كل خطوة من خطوات الهضم تتواصل أعضاء الجهاز الهضمي مع بعضها بتلك الطريقة.

ربما يومًا ما، سنتعرف على جميع مفردات لغة الكيمياء، وبالتالي نستطيع أن نتواصل بشكل أفضل مع أجسادنا ومع الكائنات المحيطة. وربما يومًا ما سنستطيع أن نخاطب النمل كما كان يفعل سليمان.

 

(*) كاتب وباحث / مصر.