كيف نحمي أنفسنا من الخبيث؟

هو زائر يكره حضوره جميع الناس، لدرجة تسميته بأسماء كثيرة تنمّ عن صفاته أكثر من حقيقته؛ فقد نُعت بـ(الخبيث) لظهوره بشكل متخفٍّ وفتّاك، ونُعت بـ(الشين) بالعامية لفظاعة أفعاله بمن يُصيب؛ فالكل يهابه، ويكره تسميته باسمه الحقيقي. أقصد هنا السرطان، وسأتناول في هذه العجالة طرائق الوقاية والحماية منه، وأهم وسائل الكشف المبكر والعلاج.

تغيّرت الحياة في القرون الحديثة، وتقدّم الطب بدرجات لم تكن في الحسبان؛ فالأمراض السارية أو المعدية من التهابات بكتيرية؛ كالجدري والسلّ والكوليرا والطاعون، كانت تحصد كثيراً من أرواح البشر..

تغيّرت الحياة في القرون الحديثة، وتقدّم الطب بدرجات لم تكن في الحسبان؛ فالأمراض السارية أو المعدية من التهابات بكتيرية؛ كالجدري والسلّ والكوليرا والطاعون، كانت تحصد كثيراً من أرواح البشر، لكن الآن مع الطب الحديث والمضادات الحيوية وطرائق مكافحة العدوى تهاوت هذه الأمراض، وحُجّم دورها في حصد الأرواح حسب منظمة الصحة العالمية. وتحتلّ الأمراض المزمنة وحوادث السيارات مركز الصدارة بوصفها أهم وأكبر أسباب الوفاة في العالم؛ فأمراض القلب والشرايين سبب نصف الوفيات، تتبعها حوادث السيارات، وتضع بعض الأبحاث الزائر الخبيث في المرتبة الرابعة أو الخامسة.

يتصدّر سرطان الثدي الإحصائيات للسيدات، بينما يتصدّرها لدى الرجال سرطان القولون والمستقيم، وهما من الأمراض التي يسهم الكشف المبكر في علاجها.

يتصدّر سرطان الثدي الإحصائيات للسيدات، بينما يتصدّرها لدى الرجال سرطان القولون والمستقيم، وهما من الأمراض التي يسهم الكشف المبكر في علاجها، ويحسّن نسب النجاح لدرجة قد تصل إلى 90%، يتبعهما سرطانا الدم والغدة الدرقية، ثم سرطان الجلد في المرتبة الأخيرة.

كيف يحدث السرطان؟

تكمن الوقاية من مرض السرطان في عدة نقاط؛ فمعرفة كيفية حدوثه تعطينا فكرةً عن الوقاية منه؛ فهو تحوّل خلايا الكائن البشري من خلايا منتجة للطاقة تقوم بعملها الوظيفي المنوط بها إلى خلايا سريعة التكاثر تستهلك جزءاً كبيراً من طاقة الجسم، وتنقسم وتتكاثر بسرعة عجيبة وغير منتجة لأيّ شيء مفيد للجسم، بل على خلاف ذلك؛ فهي لكي تتكاثر بسرعة تستهلك الطاقة؛ فيفقد جسم المصاب كثيراً من الوزن، ولكي تتكاثر تزيد الأوعية الدموية وتكبر لتضغط على الأنسجة الطبيعية، فتعطّل عملها، وتشلّ وظائفها، ولكي يدافع الجسم عن نفسه يحاول القضاء على تلك الخلايا، فتستهلك جهازه المناعي، وتجعله أكثر عرضةً للأمراض المعدية.

ويحاول السرطان الانتشار في أمكنة أخرى عن طريق الدم والجهاز الليمفاوي، فيكمن انتشاره في الأعضاء أو الغدد الليمفاوية المحيطة به، أو الكبد، أو الرئة، أو الدماغ، أو العظم. وفي بعض النظريات يكمن تغيّر الخلية السليمة المنتجة إلى خلية سرطانية في الجينات الموجودة وتعرّضها لمواد كيماوية قد تحدث طفرات جينية، فتتحول من داخل النواة في الخلية إلى معول هدم وسبب لوفاة المريض.

أهم أسباب السرطان

كيف-تحمي-نفسك-من-الخبيث-٢المواد التي قد يؤدي تعرّض الجسم لها إلى احتمالية إصابته بالسرطان كثيرة، لكن سننتقي هنا الأهم منها، ونتطرق إليه، وإلى الوقاية منه. في أعلى الهرم، تعدّ أهم مادة مسرطنة قد يتعرّض لها الإنسان هي الدخان؛ فالتدخين من أهم أسباب الطفرات الجينية، وتحويل الخلايا في جسم الإنسان إلى خلايا سرطانية، ويسهم إيقاف التدخين بطرائق كثيرة في إطالة عمر الإنسان؛ فهو مسبّب لأمراض القلب، والشرايين، والرئة، والسرطان، وغيرها من الأمراض. ويمكن الوقاية من التدخين بمنع بيعه للأطفال، وتنبيه الوالدين على عدم التدخين أمام أطفالهم، وطرحه في المجتمع بوصفه عدواً للجميع، ومنعه في العمل والبيت وجميع الأمكنة العامة، ولدولتنا باع طويل في تلك الحرب الضروس على التبغ ومنتجاته محلياً وعالمياً. وهناك عدة مواد كيمائية قد تسبّب السرطان، كالمواد الكحولية، ومادة الأسبستوس التي مُنع التعامل بها في البناء، ومادة الزرنيخ، وغيرها من المواد التي تدخل في الصناعة.

من المواد المسبّبة للسرطان أيضاً الالتهابات الفيروسية؛ فالفيروسات قد تحدث طفرات جينية كثيرة، وتغيّر الخلية السليمة، وتحوّلها إلى خلية سرطانية

ومن المواد المسبّبة للسرطان أيضاً الالتهابات الفيروسية؛ فالفيروسات قد تحدث طفرات جينية كثيرة، وتغيّر الخلية السليمة، وتحوّلها إلى خلية سرطانية، وأوضح مثال على ذلك هو ارتباط بعض الفيروسات الحليمية لدى السيدات بسرطان عنق الرحم، وكذلك ارتباط التهاب الكبد الوبائي (ب) و(ج) بسرطان الكبد، وارتباط فيروس نقص المناعة المكتسب بسرطانات متعددة في الجلد والجسم.

كيف-تحمي-نفسك-من-الخبيث-٤وهناك ارتباط وثيق كذلك بين السمنة وعدة أنواع من السرطان؛ كسرطان الثدي لدى السيدات، وسرطان المستقيم والقولون وسرطان الكلى والمريء والبنكرياس؛ فممارسة الرياضة والمحافظة على الوزن أمران مهمان وضروريان للوقاية من السرطان؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدميّ وعاءً شراً من بطنٍ. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه»، رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث حسن. فالمعدة وما يدخل فيها هي بيت الداء، وما نأكله قد يقي أو يسبّب السرطان؛ فمعهد السرطان الأمريكي ينصح بالأغذية المضادة للأكسدة كالفواكه؛ مثل: التوت، والفراولة، وغيرهما، وينصح كذلك بفيتامين (د)، والخضراوات الطازجة، والحبوب الكاملة؛ لما فيها من مواد قد تقي من السرطان، وينصح بتجنّب اللحوم المشوية، والكحول، والمحلّيات الصناعية المحتوية على مادة الإسبرتيم؛ لما لها من مفعول قد يسبّب السرطان في المستقبل.

وقد يسبّب التعرّض للشمس والإشعاعات سرطان الجلد، خصوصاً الأشعة فوق البنفسجية، وقد يعرّض العلاج الإشعاعي والأشعة السينية وغيرها جسم الإنسان للسرطان؛ لذلك فمن الواجب وضع واقي الشمس لمن يتعرّض للشمس مدةً طويلة يومياً، وكذلك عمل الأشعة عند الضرورة فقط.

المصدر: الفيصل العلمية