هذا الكون قصر بديع يضم مدينةً واسعة تتداولها عواملُ التخريب والتعمير، وفي تلك المدينة مملكةٌ واسعة تَغلي باستمرار من شدة مظاهر الحرب والهجرة. وبين جوانح تلك المملكة عالمٌ عظيم يسبَح كلَّ حين في خضم الموت والحياة..

ولكن على الرغم من كل مظاهر الاضطراب، فإن موازنةً عامة وميزاناً حساساً، وعمليةَ وزنٍ دقيق تسيطر في كل جوانب القصر ونواحي المدينة وتسود في كل أرجاء المملكة وأطراف العالم، وتهيمن عليها هيمنةً، بحيث تدل بداهة على أن ما يحدث ضمن هذه الموجودات التي لا يحصرها العدّ من تحولات، وما يلجُ فيها وما يخرج منها لا يمكن أن يكون إلاّ بعملية وزنِ وكَيْلِ، وميزانِ مَن يرى أنحاءَ الوجودِ كلَّها في آن واحد، ومن تجري الموجوداتُ جميعُها أمامَ نظر مراقبته في كل حين… ذلكم الواحد الأحد سبحانه.

هذا الكون قصر بديع يضم مدينةً واسعة تتداولها عواملُ التخريب والتعمير، وفي تلك المدينة مملكةٌ واسعة تَغلي باستمرار من شدة مظاهر الحرب والهجرة.

وإلاّ فلو كانت الأسباب الساعية إلى اختلال التوازن سائبةً أو مفوضة إلى المصادفة العشواء أو القوة العمياء أو الطبيعةِ المظلمة البلهاء، لكانت بُويضاتُ سمكةٍ واحدة التي تزيد على الألوف تخل بتلك الموازنة، بل بذيراتُ زهرةٍ واحدة -كالخشخاش- التي تزيد على عشرين ألفاً تخل بها، ناهيك عن تدفق العناصر الجارية كالسيل، والانقلابات الهائلة والتحولات الضخمة التي تحدث في أرجاء الكون..

كل منها لو كان سائباً لكان قميناً أن يخل بتلك الموازنة الدقيقة المنصوبة بين الموجودات، ويُفسد التوازنَ الكامل بين أجزاء الكائنات خلال سنة واحدة، بل خلال يوم واحد. ولكنتَ ترى العالم وقد حلّ فيه الهرْجُ والمرْج.. وتعرّض للاضطرابات والفساد.. فالبحار تمتلئ بالأنقاض والجثث، وتتعفن.. والهواء يتسمم بالغازات المضرة الخانقة، ويفسد. والأرض تصبح مزبلة ومسلخة، وتغدو مستنقعاً آسناً لا تطاق فيه الحياة.

المصدر: اللمعات، بديع الزمان سعيد النورسي، دار النيل للطباعة والنشر

ملاحظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.