في مهرجان ليلة القدر

في ليلة من ليالي القدر، في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان المبارك. ليلة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، ليلة مهرجان السماوات والأرض، في عالم الإنسان… اجتمعنا في بيت من بيوت الله احتفالاً بذكرى ليلة تنزيل (القرآن العظيم) في موكبه الجليل هدىً ورحمة للعالمين، نحي ذكراها العزيزة الغالية، ونحي روحها المباركة الحبيبة في نفوسنا ووجداننا بأحسن برامج العبادة الخالصة لوجه الله جلّ جلاله.

ثم انتظمنا في رحاب حرم المسجد الطهور حلقة كبيرة بهيجة رائعة. ونشرنا شراع سفينة رحلتنا السعيدة في محيطات النور على أمواج الذكر والمناجاة لله ربنا تقدست أسماؤه الحسنى، بدموع القلوب وابتهالات الأرواح القدسيتين!
نعم -يا للطف الله ومنّه- لقد كان في تقديره الحكيم وتدبيره الرحيم أن يتفضل علينا فيشرّفنا بالدخول في دين الإسلام الحق وأن يجعلنا بإحسانه المحض من أمة رسوله الخاتم الحبيب الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم بعد ما يقرب الخمسة عشر قرنا، في لحظة من لحظات وحي الكلمات، كلمات اللوح المحفوظ بـ(كن فيكون) ونحن أجنّة من (ذرٍّ) في أرحام الغيب، خلف أستار الأقدار الإلهية المسدلة منذ أزل الآزال.

ها هو اليوم نفتح أعيننا وبصائرنا، لنرى ونشهد وجهًا لوجه عظمة وقدسية وخطورة تلك (الليلة القرآنية الخالدة) التي أشرقت أنوار فجرها وعمّت آفاق الأكوان كلها بتجلٍّ من تجليات رّبها العلي الأعلى.

وها هو اليوم نفتح أعيننا وبصائرنا، لنرى ونشهد وجهًا لوجه عظمة وقدسية وخطورة تلك (الليلة القرآنية الخالدة) التي أشرقت أنوار فجرها وعمّت آفاق الأكوان كلها بتجلٍّ من تجليات رّبها العلي الأعلى لعبده الكريم الكليم النبيّ (موسى) عليه السلام في طور سيناء، للوحي الخاتم الأقدس بصوت جبريل وصورة جبريل عليه السلام، لعبده الأكرم ابن عبد الله بن عبد المطلب سيدنا ومقتدانا؛ محمد صلوات الله وسلامه عليه، ما دام ملكوت الله! هذا وهكذا وجدنا أنفسنا فإذا نحن المؤمنون معها ومن المصّدقين رموز وأسرار كلماتها المدوّية في جنبات الوجود بعالميه؛ المشهود والمغيّب! والعاملين في رفع قواعد كعبتها في القلوب والعقول، وفي الأخلاق والسلوكيات، وفي المواقف والمعاملات بل والعقائد والنيّات.
والحمد لله أبداً على نعمة النعم، على (الهداية الربانية الخالدة) إن شاء الله وبعون الله، والذي لم يحرمنا رحمته الواسعة شعاعًا من شعاعات ليلة الذكرى لنزول القرآن ذي الذكر المجيد في هزيع ليلة القدر، فنكون ما نكون.. فنكون مسلمين معتصمين بحبل الله وداعين إليه بصدق وهمّة وحب وحكمة.
وهناك بدأتُ، وبدأتْ روحي تصعد بشوق عظيم في موكب (المعراج) على ترانيم (التكبيرة الخالدة).
أجل وحقاً لقد بدأت روح روحي تصعد من فوق الأرض نحو السماء.
وصعدتْ وصعدت.. حتى بلغت السماء الأولى بعد دوران فلكي لولبي حول بقاع العالم فكانت الملائكة في كل مكان منها تسبح بحمد ربّها قائمة أو طائرة تحت أضواء الكواكب والنجوم والمجرات.
ثم دارت روحي العاشقة المهتاجة دورة حول محيطها وفي وثبةِ نشوةٍ ربانية صعدت.. إلى السماء الثانية حيث الملأ وقوف يسبح بحمد ربه والأضواء تضيئ شيئًا أكثر مما في السماء الأولى.
ثم طافت الروح حولها وفي وثبة صعود لولبية فلكية أخرى ارتقيت نحو السماء الثالثة.
وهكذا كنت أصعد سماء بعد سماء معنوياً تخيّليًّا والأضواء تزداد شيئًا فشيئًا سماءً فوق سماء، حتى بلغتُ في رحلتي التصورية الخيالية الشذّية المتنّسهة مشارف العرش العظيم في عالم الملكوت الأعلى.
وهناك بدأتُ أطوف وأطوف حمل كعبته الخالدة في سرعة لا متناهية هائلة مهيبة مذهلة، في سرعة مما وراء حدود الزمان وتخوم المكان..حيث لا زمان كزماننا ولا مكان كمكاننا، عالم نقيض عالمنا في كل شيء ولا يشبه شيئه شيئنا.. عالم مطلق بلا حدود ولا نهاية، بلا حوافي ولا مشارف.. عالم الله ربنا عز وجل!
وبسجداتٍ خاشعاتٍ خاشعاتٍ، لمحةَ واحدة كطرف العين أو أسرع وقف روحي الإلهي القدسي المنفوخ بنفخة روح الله سبحانه وتعالى.. بين يدي النور.. النور الذي لا يشبهه نور وليس كمثله نور، نور السماوات والأرض، وبمزامير الآذان، وتراتيل القرآن وأماني الرضوان وأشواق الخلود في ظلال الجنان… مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وفي لمحة براقية كونية ملائكية، هبطتُ إلى الأرض كوكب الاختبار والاختيار، كوكب الفتن والمحن… فوجدت نفسي أطوف وأطوف بذات الأشواق والأذواق والآفاق والانعتاق، حول كعبتنا المعظمة – قاعدة عرش الله في الأرض- في مكّتنا المكرّمة في قلب ووسط قاراتنا السبع. رمز رموز حقيقة التوحيد والحب والجمال والسلام، رمز الايمان الحق الصريح المبين،وقبلة (خير أمة) بين الأمم… هذا وكل هذه المشاهد والأحوال والكشوفات، اقتفاءً بخطوات براق (المعراج المحمدي النبوي الأشرف) في سننه كلها صلى الله عليه وسلم؛ ثم لكي أعيش وأحيا إنسانًا طيبًا فاخرًا، مصلحًا محسنًا، محبوبًا مرضيًّا عند الله والناس والخلق أجمعين.
أجل أجل كل ذلك لأعيش وأحيا إنسانًا مسلمًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.. حلم أحلام الأنبياء والفلاسفة والشعراء العظام والفنانين الإنسانيين العباقرة عبر الدهور والأزمان.. بين الكائنات.
وأخيرًا لأواصل-من بعد- رحلتي الحقيقية الأبدية لذاتي الإنسانية المكرّمة، ابتداءً وانطلاقًا من بحبوبة المهد إلى أهوال اللحد، ومن اللحد إلى الأبد.. مؤمنًا فقيهًا تقيًّا داعيًا مجاهدًا، إمامًا رائدًا لأمتي ولأهل الأرض بكل تواضع وعزّة وسلام وسعادة بإذن الله وعونه ولطفه ومنّه تبارك وتعالى!