سننية التغيير بين الإعمال والإهمال

للوقوف على المعاني والدلالات الشرعية التي جاء بها الوحي الخاتم المتمم والمكمّل لما تقدمه من الوحي، المصدق والمهيمن والمحفوظ بحفظ الله له، وهذه كلها من خصائصه ومحدداته المنهاجية والمعرفية، يجدر بنا الوقوف دائمًا على المعاني والدلالات اللغوية التي كانت تحملها الألفاظ من قبل. فقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، هو اللسان الذي كانت العرب تعرفه حق المعرفة، وبه وعليه انبنى كيانها الاجتماعي والتواصلي والأدبي.

ونحن بين يدي مفهوم “التغيير” أحدِ المفاهيم الأساسية المركزية والمحورية في الاعتبار الشرعي، يجدر بنا كذلك الانتباه إلى التغيير الذي أحدثه القرآن الكريم وأحدتثه السنة النبوية على مباني ومعاني الألفاظ التي كانت متداولة، والذي كان مدخلًا من أهم مداخل تغيير الوعي والفكر والأنفس والقيم والمجتمع. ولقد ميّز العلماء قديمًا بين الاسم اللغوي والاسم الشرعي كما فعل ابن فارس في كتابه القيم “الصاحبي في فقه اللغة”، أو بين الوضع اللغوي، والوضع الشرعي، أو الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية، والعُرف العام والعُرف الخاص كما فعل آخرون.

والمراد من ذلك كله محاولات رصد التغيير الذي طرأ على بنيات الألفاظ وعلى معانيها ودلالاتها. وكما يتوجب التمييز في هذا المستوى بين البناء اللغوي والبناء الشرعي، فإنه يتوجب كذلك التمييز في مستوى لاحق بين البناء الشرعي والبناءات الاصطلاحية اللاحقة لدى أهل المدارس والمذاهب والفرق والطوائف التي هيمنت استعمالاتها وانتشرت، وأمست مؤطرة لفكر وثقافة وتدين المسلمين عوضًا عن المعاني والدلالات الشرعية الأصل، التي يفترض أن ترافق اللفظ والمفهوم طوال رحلته وتواجده. وذلك لأنها من المطلق الذي يستوعب الزمان والمكان، وليست من النسبي الذي يستوعبه الزمان والمكان، إذ كل مفردة من القرآن، لها كل خصائص القرآن في الاستعمال القرآني.

من هذا المنظور -على وجازة القول فيه- سنحاول أن نقتبس بعضًا من دلالات ومعاني مفهوم التغيير من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة، أي من الأصلَين المصدرين المؤسِّسَين للمعرفة، وليس من الأصول أو المصادر التي أسستها المعرفة في التداول التاريخي. هذا مع مراعاة البناء المنهجي السنني والتكاملي وفق المحددات والخصائص المفهومية في القرآن كما ألمحنا إليها سلفًا.
بعض المعاني والدلالات اللغوية

أهم ما يمكن أن نقف عليه بخصوص الدلالة اللغوية لمادة “غ ي ر” مما له علاقة بمرادنا هنا، قولهم: تغيّر الشيء عن حاله، تحوّل وغيّره بدّله وحوّله، كأنه جعله غير ما كان.

هذا بالإضافة إلى دلالات واشتقاقات ليست مرادة كالغيرة وغيرها. وذلك يعني فيما يعنيه أن التغيير في اللسان العربي قبل نزول القرآن الكريم، لم يكن تَداوله شائعًا بالمعاني والدلالات التي حملها فيما بعد، والتي تهم الأنفس والمجتمعات والقيم والأفكار، وإنما كان ارتباطه بالمعاني الحسيّة المظهرية المرتبطة بحياة البدو والترحال في الغالب. وهو معنى قريب من قول الله تعالى في كتابه العزيز على لسان إبليس: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)(النساء:119)، وقوله تعالى واصفًا نعيم الجنة: (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ)(محمد:15).

من معاني التغيير في القرآن الكريم

معنيان كبيران تدل عليهما آيتان كريمتان مختلفتان لفظًا لكنهما متحدتين قصدًا، إحداهما وردت في سياق الإيجاب والسلب، والثانية في سياق السلب. الأولى تغيير من الحالة السلبية إلى الإيجابية أو العكس، والثانية تغيير من الحالة الإيجابية إلى الحالة السلبية. ومدخل التغيير في الحالتين معًا “النفس”. وغاية التغيير ومقصده الصلاح والاستقامة على أمر الله ونهيه، ومجالات التغيير في الآيتين معًا. “ما” المستغرقة الأحوال النفس كلها والأحوال الواقع كله.

أما الآية الأولى فقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد:11).

والآية نص في أن هنالك تغييران، أحدهما من الله -سبحانه وتعالى-، والثاني من الناس، والعلاقة بينهما سننية سببية متلازمة، هي كترتيب النتيجة على مقدماتها. فحسب سنن الله الجارية في المخلوقات، الناظمة والضابطة لأحوالها، لابد من الأخذ بالأسباب. وإذا كان ذلك جار وجائز على الأنبياء أنفسهم الذين اصطفاهم الله لرسالاته، فهو فيمن دونهم أوجب وآكد ضرورة. فتغيير الإنسان جزئي مدخله النفس وهو سبب، وتغيير الله كوني شامل مستوعب لأحوال الإنسان النفسية والمادية المحيطة به وهو نتيجة.

وهذه المطابقة هي ما نص عليه العلماء من تلازم سنن الله تعالى الدينية الشرعية وسننه الكونية القدرية، حيث رتبت إحداهما على الأخرى ترتيبا سننيًّا منهجيًّا محكمًا، كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(الأعراف:96)، وقوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا)(الجن:16-17). فإقامة سنن الله الدينية الشرعية التي هي هداية الرسل والرسالات، تستتبع ضرورةً إنعامًا إلهيًّا كونيًّا قدريًّا بالخير والبركة، وتعطيلها يستتبع عقوبات إلهية بحجم ومقدار الجحود والإنكار والتعطيل. وكل قصص الأمم الغابرة الهالكة والأخرى الآمنة المطمئنة التي قص علينا القرآن، شواهد في هذا الباب. فلابد مراعاة هذا الضابط السنني أولًا.

أغلب المفسرين للآية المتقدمة على قول إن الله لا يغيّر ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا. وهو ما يمكن عكسه أيضًا، أي أنه سبحانه لا يغير ما بقوم من النقمة والخذلان حتى يغيروا ما بأنفسهم من الغواية والعصيان.

وكما ذهب الإمام القرطبي في تفسيره -في تنبيه جيد بين يدي الآية- إلى أن العقوبة لا تنزل على أعيان العصاة ضرورة، فقد تكون بسبب من غيرهم إذا تفشت الفاحشة واستفحلت المعاصي. ولقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلّم-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم إذا كثر الخبث” (رواه مسلم). وذلك ما يوسع أيضًا من دائرة المسؤولية على النفس وعلى الغير، وينسجم مع مفهوم الشهادة على الناس، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي الجاهلين كما ورد في حديث السفينة لما قال الذين في أسفلها: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا؟ فكان التحذير والتنبيه: “فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا” (رواه البخاري).

فتلازم تغيير ما بالنفس، مع التشديد والتأكيد على شمول واستغراق “ما” لكل أحوال النفس الإيمانية والفكرية، والقولية والفعلية، والخلقية والسلوكية… مع ما بالقوم، مع التشديد والتأكيد نفسه على شمول واستغراق “ما” لكل أحوال القوم الذين جاؤوا في سياق النكرة، وذلك كما قيل إفادة للتعميم، أي لكل ما يحيط بهم في حياتهم المادية الدنيوية من التكريم في الذات إلى تسخير المخلوقات والكائنات، وصلاحهم في حالهم هو نفسه فلاحهم في مآلهم. ذلك التلازم يجعل من صلاح النفس علة تدور مع حكمها الذي هو التغيير وُجودًا وعدمًا كما يقول الأصوليون.

أما الآية الثانية، فقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأنفال:53)، وهي مثل الأولى في سننيتها ودلالتها وقصدها وإن نصت على النعمة تحديدًا، إذ كل فضل الله على عباده نعمٌ أنعم وينعم بها عليهم. وكما أن الوضع السيئ ينقلب إلى حسن بإعمال سنن التغيير، فإن الوضع الحسن يمكنه أن ينقلب إلى سيئ، والنعمة يمكنها أن تزول بإهمال سنن التغيير والانقلاب على قيم الخير والصلاح.

ذهب الإمام الشوكاني في تفسيره في التماس معنى الآية إلى “أن ذلك العقاب، بسبب أن عادة الله في عباده؛ عدم تغيير نعمه التي ينعم بها عليهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال والأخلاق، بكفران نعم الله ونمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه. وذلك كما كان من آل فرعون ومن قبلهم، ومن قريش ومن يماثلهم من المشركين. فإن الله فتح لهم أبواب الخيرات في الدنيا ومنّ عليهم بإرسال وإنزال الكتب، فقابلوا هذه النعم بالكفر، فاستحقوا تغيير النعم كما غيروا ما كان يجب عليهم سلوكه والعمل به من شكرها وقبولها”.

ومثل هذا في القرآن، وردت فيه آيات كثيرة كما في قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)(الشورى:30)، (وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)(يوسف:110)، (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)(الرعد:11).

كما أن ضمائم التغيير في القرآن الكريم كثيرة، يندرج فيها كل خطاب وارد عن الإصلاح والإحياء والهداية والاستقامة، وقبل ذلك الإيمان والتقوى. فكل ما يسهم في تغيير النفس من حال المعصية إلى حال الطاعة، ومن حال الانحراف إلى حال الاستقامة هو مراد مضموم إلى معاني التغيير ودلالاته الواسعة.

من معاني التغيير في السنة والسيرة النبوية

إجمالًا، السيرة النبوية من أولها إلى آخرها، أي منذ بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلّم- إلى وفاته، كلها حركة ومدرسة في التغيير، بأحداثها الكبرى العامة وبأحداثها الصغرى التفصيلية، من تقويم الأنفس وهدايتها إلى بناء الجماعة ولحمتها، مما يتوجب استكشاف المزيد من دلالاته وعبره ودروسه، ومثل ذلك سنته -صلى الله عليه وسلّم- بيانًا لما أنزل إقامة للوحي وتقويمًا للعادات السائدة.
ومن أحاديث الباب في التغيير حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” (رواه البخاري). وكما هو واضح في الحديث، هنالك مراتب في التغيير، ومسؤوليات واختصاصات معتبرة كي يتحقق التغيير بمقصده ويثمر الثمار المرجو منه، وإلا فإن الخلط بينها أو تجاوز حدودها المرسومة لها، سينتج أضرارًا ومنكرات أسوأ، وسيصادم روح وجوهر التغيير نفسه. ومن أقوال العلماء في ذلك أن التغيير باليد موكول إلى الحاكم والسلطان، وليِّ الأمر الذي بيده إجراء العقوبات والتعزيرات. إذ لو غير كل أحد أو جماعة باليد، سواء تحققوا من المنكر أو لم يتحققوا بالاعتبار الشرعي له -لا بالظن والتوهم- فذاك البلاء بعينه والفتنة بعينها كما هو حال الأمة اليوم. ولقد اشترط بعض العلماء شروطًا في هذا المنكر منها:

• أن يكون محرمًا مجمعًا عليه لا مكروهًا أو مختلفًا فيه.

• أن يكون ظاهرًا مرئيًّا لا باطنًا أو مستورًا.

• أن يكون مقدورًا على تغييره من جهة الاختصاص خشية الوقوع في منكر أكبر منه.

• أن يكون برفق وحكمة ولين وتدرج.

أما التغيير باللسان فموكول إلى العالِم المُبْصِر والمُبَصر بحقيقة الأمور، والمعرَّف بحكم الشرع أمرًا ونهيًا، والمقنع بالأدلة والحجج الشاهدة. والتغيير بالقلب فموكول إلى العامة ممن ليست لهم قوة اللسان أو قوة السلطان، لكن لهم أن يمنعوا أنفسهم من التطبيع مع المنكر والفساد ومن التطبّع به أو الاستئناس به عند فُشوّه. فحالة الإنكار هنا، تعني جاهزية النفس الدائمة لرفض المنكر والاتجاه إلى المعروف.

وهذه المراتب والاختصاصات ليست تفاضلية وإنما تكاملية، فكلها مطلوبة في الآن نفسه، يشتغل بعضها إزاء بعض لتثمر حركة إيجابية في واقع الأمة. وهدي القرآن في التغيير هو المنهج النبوي فيه كذلك قائم على الحكمة، وعلى الموعظة الحسنة، وعلى الجدال بالتي هي أحسن، وعلى لين الجانب… وما إلى ذلك مما تميل وتنجذب إليه الأنفس وتتهيأ للسماع والاقتناع.

نجد في السنة كذلك أحاديث تدل على التغيير من الحَسَن إلى الأسوأ وما يترتب على ذلك من عقوبات حسب حجم المخالفة كما في حديث: “من غيّر دينه فاضربوا عنقه” (رواه مالك). بالنسبة للخارج عن الجماعة المفشي لأسرارها لدى العدو، يتعلق الأمر بالخيانة العظمى كما في اصطلاحنا المعاصر، باعتبار الردة ردة سياسية أكثر منها فكرية. كما تدل على ذلك روايات أخرى للحديث كحديث: “لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة” (رواه مسلم)، وحديث: “إنها ستكون هناتٌ وهناتٌ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان” (رواه مسلم).

وهناك حديث الحوض عندما يحال بين النبي -صلى الله عليه وسلّم- وبين أقوام من أمته عليه فيقول: “إنهم منّي”، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فيقول: “سحقًا سحقًا لمن غيّر بعدي” (رواه البخاري).

واقع التغيير في الأمة

قامت في الأمة منذ وقت مبكر حركات تغييرية إصلاحية كثيرة، بعضها أفلح إلى حدود معينة، وبعضها أخفق ولم يفلح، وبعضها أفسد ولم يصلح وألحق بكيان الأمة انقسامًا وتجزئة زادا من وهنها وضعفها. ومرد ذلك كله -في تقديرنا- إلى إخطاء هذه الحركات منهج التغيير السنني الذي دلت عليه الآيات والأحاديث سالفة الذكر.

فالتغيير ليس دعوة أو خطابًا حماسيًّا كما يعتقد الكثيرون، بل هو عمل تتركب فيه عناصر وأجزاء تركيبًا دقيقًا، إذا ما أُحسن أعطى أكله وثماره، وإذا ما أسيء لم يعط شيئًا وكان هدرًا للجهد والوقت.

• فإذا كان التغيير السنني يدور وجودًا وعدمًا مع صلاح النفس -عقلًا وقلبًا، فكرًا ووعيًا- فإن التغيير اللاسنني يتعلق بظواهر الأشياء قبل بواطنها، وبعالم الأشياء قبل عالم الأفكار.

• وإذا كان التغيير السنني يراعي مراتب الأصول والفروع، يقيم الأولى قبل الثانية، ويجعل الثانية تبعًا لها، ويحدد اختصاصات التغيير ومجالاته وأصوله ورجالاته، فإن التغيير اللاسنني يخلط بين ذلك كله فيقدم الفروع على أصولها ويجعلها حاكمة عليها، ويتصدى له من ليس له بأهل.

• وإذا كان التغيير السنني يؤمن بالمرحلية والتدرج وأسلوب معيّن في الخطاب والتواصل، فإن التغيير اللاسنني ينزع إلى الطفرة والتسرع والاستعجال، بأسلوب فيه من القطيعة والغلظة والجفاء أكثر مما فيه من التواصل والرفق واللين.

• وإذا كان التغيير السنني ينحو إلى إحلال الأمن والإيمان حيث يُمَكّن للعمران، ومن ثم فهو أجنح إلى السلم منه إلى الفوضى، فإن التغيير اللاسنني أجنح إلى الصدام والنزاع حيث لا أمن ولا إيمان وبالتالي لا عمران.

• وأخيرًا وليس آخرًا، فالتغيير السنني وعي وعلم وليس ظنًّا، له أصوله ونظامه ومفاهيمه ومناهجه وقيمه وأخلاقه، منطلقة العلم والمعرفة، والتغيير اللاسنني إخلال بموجبات ومقتضيات ذلك كله.

(*) جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب، بني ملال / المغرب.