درب الأنبياء

إن كنت تحلم بقطف ثمار يانعة في أعمال الإرشاد والتبليغ، فلا تحسبنّ أنها تأتيك مجانًا نتيجة خوارق تتنزل عليك من السماء، بل احرص على أن تأخذ بالأسباب كاملة يأتك الخير مدرارًا. وذلك هو الأصل في شريعة الفطرة وسنة الكون. انظر إلى النبات، أتراه يثمر دفعة واحدة؟! إنما يحتاج إلى زمن طويل من العناية والرعاية حتى ينبت فينمو فيستوي فيؤتي أُكُلَه.

إن كنت تحلم بقطف ثمار يانعة في أعمال الإرشاد والتبليغ، فلا تحسبنّ أنها تأتيك مجانًا نتيجة خوارق تتنزل عليك من السماء، بل احرص على أن تأخذ بالأسباب

تماما مثل البيضة التي لا يَخرُج فرخُها سالمًا إلا بعد زمن مكتوب. فإن كنت ترجو حصيلة طيبة لخدماتك التي تقوم بها في ساحة الإرشاد، فاعلم أنه لن يتم ذلك إلا بعد أن تلتزم بكامل الأسباب الصحيحة والأساليب الصائبة التي تنسجم مع طبيعة تلك الخدمات. أما العكس فسعيٌ وراء أحلام لن تتحقق أبدًا. باللّٰه عليك، أتظن أن اللّٰه سيغير سنته الكونية من أجل سواد عيوننا، وهو الذي لم يغيرها من أجل أنبيائه، بل حتى من أجل حبيبه الأكرم ورسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم؟! الحقيقة أن الأنبياء جميعهم وعلى رأسهم سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم عملوا بجد وكافحوا بحكمة سنين طويلة صابرين صامدين مثابرين. ومن ثم جاء اللطف الرباني نصرًا وتوفيقًا منه تعالى، كثمرة لذلك الكفاح الطويل. إذن، من أراد التوفيق والنجاح فليسلك درب الأنبياء.

الأسوة والخدمة

إن من قُدّر لهم أن يقوموا بدور “الأسوة” في أي خدمة إيمانية، فعليهم أن يكونوا “رجال خدمة” حقًا، بكل كيانهم، وفي كل شأن من شؤون حياتهم. عليهم أن يسعوا ليل نهار دون توقف، بل ينبغي ألا يراهم أحد نائمين أبدا؛ بل إذا أمكن فلتكن ثلاث ساعات من يومهم لنومهم وساعتان لسائر شؤونهم، ثم لينطلقوا ساعين خدّاما فيما تبقّى من أوقاتهم. إنه بهذا المستوى من الأداء فحسب، يمكنهم أن يكونوا “مثالا” لمن حولهم، ويكونوا قد وفّوا المسؤولية حقها. أحسب أن أبطالا قد نذروا أنفسهم للخدمة وفقًا لهذه المقاييس سوف يخطئون الطريق إلى منازلهم في بعض الأحيان. هذا وينبغي على “رجل الخدمة” أن يدير ظهره إلى كل شيء يشغله عن قضيته، وألا يقع أسير أي قيد يمنعه من السعي أبدًا، مَنزلا كان أو أهلا أو عملا أو أي شيء آخر… إن “صاحب القضية” أصلاً، ليس له حياة خاصة، اللهم إلا في بعض شؤونه الضرورية.

لا شك أن حبس الإنسان لغضبه وكظمه لغيظه إزاء ما يلقاه من إساءات ومنغّصات مناقضٌ لفطرته، لكنّ المطلوب منه، هو هذا الفعل بالذات. ثم إنّ خلوّ المرء من حاسة الغضب مَنقصَة وليست فضيلة أبدًا.

كظم الغيظ والبطولة

لا شك أن حبس الإنسان لغضبه وكظمه لغيظه إزاء ما يلقاه من إساءات ومنغّصات مناقضٌ لفطرته، لكنّ المطلوب منه، هو هذا الفعل بالذات. ثم إنّ خلوّ المرء من حاسة الغضب مَنقصَة وليست فضيلة أبدًا. إن القرآن يطلب منا في مثل هذه الحالات أن نكظم غيظنا، ونحبس غضبنا، ونصبر على الأسباب التي أثارت حفيظتنا. هناك فرق كبير بين انعدام الغيظ تمامًا وكظمه. فمن عَدِم الغيظَ لم ينل ثوابا لقاء ذلك، لأنه مصاب بحالة غير طبيعية. أما الإنسان الذي انتبه إلى نفسه فوجدها تغلي وقد أوشكت على الانفجار كالبركان، فهبّ مسرعًا، فأحكم قياد ثورتها وكظم نيران غيظها… هذا الإنسان قد يرقى إلى مقام الولاية نتيجة هذا الموقف البطولي…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الترجمة عن التركية: نوزاد صواش.