خشونة المفاصل الأسباب والعلاج

لقد خلق الله عز وجل مفاصل الإنسان، بحيث تجمع بين سطح ناعم -قليل الاحتكاك- يُغطي سطح العظام، وفي نفس الوقت علاقة مستقرة بين العظام. ويتكون المفصل من علاقة بين عظمتين من عظام جسم الإنسان، فمثلاً مفصل الركبة، يتكون من علاقة بين عظمتي الفخذ والقصبة. وسطح العظام عند منطقة المفصل، يكون مغطّى بغضاريف شديدة النعومة. وهناك نوعان من الغضاريف تغطي سطح المفصل: الأول غضاريف لامعة شديدة النعومة، وتكون وظيفتها التحرّك بأقل نسبة احتكاك بين العظام. والثاني غضاريف من نوع آخر يجمع بين الخلايا الغضروفية والألياف، وهذا النوع الآخر من الغضاريف، يكون مسؤولاً عن زيادة استقرار المفصل أثناء الحركة. ولكي يكون المفصل أكثر استقرارًا أثناء الحركة، تعمل الأربطة والعضلات على أن تكوّن روابط قوية تحافظ على ميكانيكية الحركة للمفصل والعلاقة الثابتة بين العظام أثناء الحركة، وتسمح بالحركة حول محور مستقر مما يمنع الاحتكاك غير الطبيعي.

وتعمل العضلات على تحريك المفصل بعد تلقّي الأوامر من المراكز الحركية بالدماغ، وتصل هذه الأوامر إلى العضلات عن طريق الأعصاب. وبالتالي لكي يتحرك الإنسان بصورة طبيعية، فهو يحتاج إلى مراكز حركةٍ بالدماغ طبيعية، وأعصابٍ تنقل الإشارات الصحيحة إلى العضلات الصحيحة، وعضلاتٍ بحالة جيدة، ومفاصل وعظامٍ سليمة، وإلى علاقةٍ متوازنة بين العظام وبعضها من خلال استقرار المفاصل.

وعلى المستوى الميكروسكوبي، تتكون الغضاريف الناعمة المبطِّنة لسطح أيّ مفصل، من خلايا غضروفية يحيط بها من كل جانب الموادُ الأساسية المكوّنة للغضاريف، مثل الكوندريوتين سلفات، والماء، والألياف البروتينية من نوع كولاجين2 من المواد، وتكون وظيفة الخلايا الغضروفية، هي تكوين واستبدال المفقود من هذه المواد الناعمة. ومن الهام جدًّا أن يكون هناك اتزان بين تركيز هذه المواد ببعضها، وأيضًا اتزان في كمية الماء الموجودة داخل الغضاريف. وبالتالي فإذا قلَّ الماء عن حد معيّن أو زاد عن حد معيّن، يؤدي هذا إلى تآكل الغضاريف والخشونة لهذا السطح الناعم.

وللحفاظ على نعومة الحركة داخل المفصل وتقليل الاحتكاك، فهناك غشاء آخر يُبطِّن المفصل اسمه “الغشاء السينوفي”، وهو مسؤول عن إفراز ما يسمى بـ”السائل الزلالي” وهو سائل لزج شفاف يشبه الزيت، وهذا السائل يكون داخل المفصل بكمية محددة بسيطة تعمل على منع الاحتكاك بين الغضاريف.

ويتم توزيع الأوزان والأحمال داخل مفصل الإنسان بصورة متساوية، حيث إن التكوين الذي خلقه الله للعظام ولوزن الإنسان، تم بحيث يكون هناك اتزان في هذا التوزيع، فلا يكون هناك حمل مركَّز على منطقة في المفصل بدرجة تفوق تحمُّلها.

كما رأينا، فقد خلق الله عز وجل الكثير من العوامل والأدوات التي تحافظ على نعومة المفاصل واستقرارها أثناء الحركة.

أسباب الخشونة

هناك أنواع من الخشونة تكون بسبب تشوه بالعظام أو اعوجاج نتيجة عيب خَلقي أو وراثي أو نتيجة إصابة قديمة أو كسر… وهذه التشوّهات تتسبب في عدم توزيع الأحمال داخل المفصل بصورة متساوية على كل الأجزاء والخلايا، وبالتالي يصبح الحمل أعلى ومُتركّز في منطقة صغيرة بالمفصل، مما يؤدي إلى تآكل الغضاريف بهذه المنطقة. وبالطبع لمنع حدوث هذا، يجب علاج أي تشوهات بالعظام أو اعوجاج، سواء كان بسبب وراثي أو عيب خَلقي، أو نتيجة إصابة أو مرض.

من ناحية أخرى، هناك أمراض تصيب الغشاء السينوفي والغضاريف وتعمل على تآكلها.. وتكون هذه الأمراض بسبب عيوب في جهاز المناعة بجسم الإنسان، مما يتسبب في التهاب مزمن بالمفاصل نتيجة مهاجمة بعض البروتينات في الدم لبعض الخلايا في جسم الإنسان بما فيها المفاصل. وهذا الالتهاب المزمن، مع مرور الوقت يؤدي إلى تآكل بالغضاريف والعظام. وأشهر أمثلة على هذه الأمراض، الروماتويد، وشبيهات الروماتويد، والذئبة الحمراء… إلخ.

وهناك خشونة ناتجة عن إصابات الغضاريف أو الأربطة إما نتيجة إصابات الملاعب أو حوادث السير… وينتج عن هذه الإصابات أن يتحول سطح الغضروف الناعم إلى سطح خشن نتيجة كسر أو إصابة مباشرة. وفي هذه الحالة يجب التدخل جراحيًّا لإعادة الجزء المنقول من السطح الناعم إلى مكانه، كي نحافظ على نعومة المفصل. ومن ناحية أخرى، إذا كان هناك قطع بأحد الأربطة بالمفصل، والتي كما عرفنا تكون مسؤولة عن استقرار المفصل أثناء الحركة وتعمل كمحور للحركة، هذه الأربطة في حالة إصابتها، يجب علاجها إما بالجراحة وإما بالعلاجات الأخرى، حتى نضمن التئام هذه الأربطة وعودتها إلى الحالة الطبيعية.

سبب آخر للخشونة، هو الوزن الزائد وضعف العضلات، مما يؤدي إلى التحميل بصورة غير طبيعية على الغضاريف، ويؤثّر على ميكانيكية حركة المفاصل. وهذا السبب من الأسباب الأكثر انتشارًا في العالم حاليًّا. ومن ناحية أخرى، الانتظام في ممارسة الرياضة للحفاظ على حالة العضلات تلعب دورًا هامًّا في استقرار المفاصل وحركتها بصورة طبيعية.

علاج الخشونة

في الحالات المُبكّرة من خشونة المفاصل، يكون التركيز الأساسي على علاج الأسباب وإيقاف تطور الخشونة، والسماح للجسم بأن يستردّ عافيته، ويعمل على إعادة تكوين ما تهدم من أنسجة. فإذا كان السبب اعوجاجًا في المفصل أو تشوّهًا بالعظام، يتم تقويم هذا الاعوجاج أو التشوه. وإن كان السبب، التهابات نتيجة أمراض الجهاز المناعي، فيكون التركيز على علاج هذه الالتهابات والأمراض. وإن كان بسبب إصابة في أربطة أو غضاريف، فيتم علاج هذه الإصابة بالمنظار الجراحي. أما إن كان السبب ضعفَ العضلات وزيادة الوزن، فيكون العلاج بتقوية العضلات بواسطة العلاج الفيزيائي وممارسة الرياضة، ومعها تقليل الوزن تحت إشراف طبيب متخصص في هذا المجال. وهناك طرق متعددة لتقليل الوزن يحددها الطبيب المختص حسب حالة كل مريض، ومنها الحمية الغذائية والأدوية والإبر الصينية، وجراحات تدبيس المعدة وشفط الدهون… إلخ.

إذا تطورت حالة الخشونة، فيمكن استعمال بعض المسكِّنات مع علاج السبب كما ذكرنا، ولكن يجب الحذر من استعمال المسكِّنات بكثرة، لأن كل هذه الأدوية لها أعراض جانبية كثيرة على المعدة أو الكلى أو الكبد… وبالتالي فكثرة استعمال المسكِّنات، قد يؤدي إلى أضرار كبيرة مع مرور الوقت.

في الحالات التي لا تستجيب إلى ما سلف، يمكن اللجوء إلى ما يسمى “الحقن الموضعي” للركبة بالسائل الزلالي؛ وهو الزيت الذي خلقه الله سبحانه داخل المفاصل لتليينها. وبالتالي فحقن السائل الزلالي داخل المفصل، هو حل آمن ولا يوجد مضاعفات له بشرط أن يتم الحقن بواسطة طبيب متخصص، وأن يتم الحفاظ على قواعد السلامة من تعقيم وتخدير موضعي، ومراعاة للأعصاب والشرايين.

بالنسبة للحالات التي لم تستجب لهذا العلاج، يمكن اللجوء إلى العلاج الجراحي. وهناك عدة أنواع من العلاج الجراحي يتم تحديد النوع المناسب حسب الفحص الطبي، ونتيجة الفحوص من أشعة إكس، وأشعة بالرنين المغناطيسي، حيث إن الأشعة العادية تعطي الطبيب المعالج تقييمًا عن العظام والأنسجة المُتكَلِّسة، لكنها لا تظهر فيها الغضاريف أو الأربطة أو العضلات. ولكي يتم تقييم كامل للأربطة والغضاريف والعضلات قبل الجراحة، يتم استعمال أشعة الرنين المغناطيسي لهذا الغرض.

من طرق العلاج الجراحي

1-العلاج بالمنظار: ويتميز هذا العلاج بأن المريض لا يحتاج إلى الإقامة بالمستشفى أكثر من يوم واحد فقط، ولأن هذا العلاج لا يصاحبه جروح كبيرة أو قطع بالأنسجة، فهذا يجعل فترة النقاهة أقصر والعودة للحياة الطبيعية أسرع. وبالمنظار يتم علاج الغضاريف المصابة والخشونة والأربطة المُتهتّكة. ولكن مفعول جراحة المنظار، تختلف من مريض إلى آخر، ونسبة النجاح في حالات الخشونة غير واضحة، وفترة التحسن بعد المنظار قد تتراوح بين عدة أشهر إلى عدة سنوات، وبالتالي فهو حل جيد لصغار السن ومن يعانون من خشونة بسيطة واضحة السبب، بشرط أن لا يكون معها وزن زائد أو ضعف في العضلات.

2-جراحة تغيير المفصل: حيث يتم تركيب سطح ناعم ليحلّ محلّ الغضاريف المتآكلة والسطح الخشن. وهذه الجراحة نسبة نجاحها عالية، بشرط استعمالها في كبار السنّ، ممن لا يتحركون كثيرًا ولا تتطلب حياتهم أعمالاً عضلية شاقة، لأن المفاصل الصناعية لها عمر افتراضي يتراوح بين 12-15 سنة في أغلب الأحوال، يتم بعدها إعادة تغيير المفصل بآخر جديد. وبالتالي فللحفاظ على عمر هذا المفصل الصناعي، يستلزم أن تكون نوعية حياة المريض مناسبة، فمثلاً تغيير المفصل أكثر ملاءمة لمن يعمل أعمال مكتبية عن مَن يعمل في البناء أو الفلاحة.

آفاق المستقبل في علاج الخشونة

إن أفضل طريق للعلاج، هو الحفاظ على الأنسجة الحية التي وهبنا الله سبحانه وتعالى إيّاها في جسمنا. وهذا أفضل بكثير من تركيب أشياء صناعية أو نقل أنسجة من جسم غريب إلى جسمنا. ولهذا نسعى ويسعى كل العلماء، لتطوير علاجات تُشجّع على إعادة تكوين الغضاريف وإحلالها محل الغضاريف المصابة، ومن هذه العلاجات، استخدام البروتينات المشتقة من الصفائح الدموية والسائل النخاعي، واستعمال الخلايا الجذعية. وكل هذه الطُرق ترتكز حول أخذ البروتينات أو الخلايا من الإنسان نفسه، ثم إعادة حقنها لنفس الإنسان بعد تعريضها لتنشيط بصورة معينة أو تركيز لبعض المواد منها. ولا يزال هذا المجال تحت التجربة والبحث لتقييم مدى فاعليته على المدى الطويل، ولكن الأبحاث التي تتعلق بهذا الموضوع مُبشّرة ومُشجّعة.

خشونة المفاصل، من الأمراض المنتشرة، وهناك الكثير من الحلول لها. ولا يزال العلم يسعى للوصول إلى أفضل سبل العلاج، ونتوقع في المستقبل أن يقل دور العلاج الجراحي في خشونة المفاصل، ويحل مكانه طرق أخرى تجعل العلاج أسهل على المرضى. ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) أستاذ جراحة العظام، جامعة عين شمس / مصر.