القوى الذاتية

الإنسان قوة واعية، وأعظم الوعي أن يعي الإنسان نفسه، ويعي ما انطوى عليه من قوى روحية خلاقة قادرة على أن تتشكل خارج النفس فكرًا أو سلوكًا وطاقات عمل.. ومن هنا ظلت الأقلام الشريفة الجادة تؤكد على الجانب الذاتي من الأمة، هذا الجانب الزاخر بالطاقات والإمكانات.. فاستنهاض هذه القوى الذاتية للأمة مضافا إليها قوى عصرية وفتية، تزيد في قدرتها على امتلاك ناصية النموذج الأرقى من دواخلها من دون الحاجة إلى تلمسه في مواطن أخرى… فمقال فضيلة الأستاذ “فتح الله كولن” يدور حول هذه المحاور التي ذكرناها آنفًا.
أما جوهر الإنسان، ومجال التدافع الحضاري فيمكن استشفافه من خلال منظومة القيم الإسلامية وحاجة الواقع المعاصر لها كما يقول الدكتور “الصمدي” في مقاله الموسوم بالعنوان نفسه.. وقد كتب العالم الكبير الأستاذ “زغلول النجار” فقال: “هذه الدقة البالغة في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب، مشتعل مضيء بذاته، وبين سقوط هذا الضوء على جسم مظلم بارد وانعكاسه نورًا من سطحه لا يمكن أن يكون لها مصدر من قبل ألف وأربعمائة سنة إلا الله الخالق..”، وهذه الفقرات تكاد تكون تلخيصًا لمقاله “ضوء الشمس ونور القمر”. وللروح في هذا العدد من “حراء” أغنية يغنيها وينظمها الشاعر المبدع “عبد العزيز المقالح” من اليمن وهي تنمّ عن شاعرية شفافة الأردان، رقيقة الإهاب.
ونحو استئناف التأسيس للمؤسسات المدنية في المجتمع الإسلامي المعاصر، يكتب الأستاذ الدكتور “أحمد عبادي” مقالاً في غاية الأهمية يعزو فيه أسباب زهد المسلمين الأوائل في ضبط المؤسسات وبلورة فقه خاص بها إلى البعد العقيدي في التقوى الذي يكاد يكون بحد ذاته نوعًا من أنواع الضبط المؤسساتي للمجتمع، غير أن استئناف العمل التأسيسي اليوم وبلورة فقه خاص به أمر تقتضيه حياة المجتمع في العصر الحديث.
أما شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور “محمد سعيد رمضان البوطي” فيطرق في مقاله قضية مهمة في حياة الفكر والوجدان، وهي قضية “محبة الله” والنتائج التي تحققها في حياة الفرد والمجتمع.. والأستاذ الدكتور “محمد عمارة” يلتفت في مقاله الموسوم “المنهاج النبوي في المداعبة والمزاح” إلى جانب من جوانب الشخصية المحمدية الحبيبة قلما التفت إليها كتاب السير، ألا وهي المداعبة والمزاح، ويسرد لنا صوراً من مزاحه الشريف والعفيف عليه الصلاة والسلام. والشاهد “البوشيخي” عملاق “المصطلح” في المغرب العربي، فهو يحدثنا في مقاله عن “مفهوم الأمن في القرآن الكريم” في عمق واستيعاب كما هو في كل ما يكتب من أبحاث أو مقالات.