القراءة الصحيحة للإسلام هي السبيل للنهوض بالأمة

في إطار محاربة التطرف ونشر الفكر الوسطي الإسلامي بين الناس والبعد عن الغلو، عقدت مجلة حراء حوارًا مع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الأستاذ الدكتور محيي الدين عفيفي.
في البداية نرحب بفضلتيكم ونثني على جهودكم المبذولة في محاربة الأفكار المغلوطة وتبين صحيح الدين وإذا كنا نتحدث عن التطرف والغلو، فكيف تستطيع الرؤية الوسطية أن تمزق الغلاف السميك وتعبّر عن ذاتها، في ظل هذه الأحداث التي ينفطر لها القلب على الساحة الإسلامية؟

نحن بحاجة إلى قراءة القرآن الكريم مرة ثانية قراءة صحيحة وأقصد بالقراءة الصحيحة القراءة الفكرية، وليس فقط قراءة الحروف والكلمات.

نحن بحاجة إلى قراءة جديدة لنصوص الوحي -القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة- هذه القراءة لابد أن تنبع من فهم الماضي واستيعاب الحاضر واستشراف المستقبل. ولأن هناك إشكالية كبيرة لدى كثير من المسلمين، وهي أنهم مازالوا يعيشون في الماضي -يعيشون مرحلة التمكين- فالخطاب القرآني عالج هذه القضية عبر مراحله المختلفة، فاختلف الخطاب في المرحلة المدنية عن المرحلة المكية، ليحثنا على قراءة الماضي بعقلية الحاضر، لذا لا يمكن بحال من الأحوال أن تُستدعى آراء قِيلت من قرون، ثم يطلب من الناس أن يعتنقوا أو يعملوا بهذه الآراء دون النظر إلى واقع الإنسان أو مشكلاته.
كما أن القصص القرآني -قصص الأنبياء- عندما تحدث عن أسباب بقاء الأمم وفنائها لم يتحدث عنها عبثًا؛ بل لحكمة وهي أن تكون مقومات النهوض دائمًا موجودة عند الأمة الإسلامية. ولأن أي حضارة لا بد أن تقوم على أسس وهي الإنسان والإمكانات والأرض، لذلك العلاقة بين الإنسان والكون علاقة تسخير واستفادة والإنسان مطالب بالاستفادة من هذا التسخير قال تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ)(يونس:101).

كثير من المسلمين يفضلون أن يعيشوا دور المظلومية دائمًا، ولا يسعون إلى تغيير واقعهم، فما هو السبيل للتغلب على هذا الأمر؟

نحن أمام إشكالية كبيرة وهي أن البعض كما ذكرت في السؤال يفضل أن يعيش دور المظلومية، ويجلس يبحث عن أسباب تبرر له هذا الدور، والله تعالى يقول: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد:11)
كما أن سنن الله في الكون لا تجامل ولا تحابي أحدًا، ولو حدث لكان صحابة الرسول أولى بهذا والدروس على ذلك كثيرة، لذا نحن بحاجة إلى قراءة القرآن الكريم مرة ثانية قراءة صحيحة وأقصد بالقراءة الصحيحة القراءة الفكرية، وليس فقط قراءة الحروف والكلمات، ولأن الله لم يبين لنا كيفية القراءة لا كمًا ولا كيفًا قال تعالى في أول آية: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(العلق:1) ليعطي العقل البشري مساحة من البحث والإبداع.
ومع الأسف الشديد حينما كان المسلمون يعيشون أبهى عصورهم عندما كانوا محل دراسة وبحث من غيرهم، واستطاع الغير أن يستفيد منهم في كل الفترات محل البحث والدراسة، أما نحن الآن ما زلنا نعيش في سكرة بعيدة عن سُبل النهوض، والسبيل للإفاقة من هذه السكرة أن نقرأ كيف قامت هذه الأمم؟ كما كانوا هم يفعلون قبل ذلك.
وكما قال ابن خلدون رحمه: “إن الإنسان المهزوم مولع بتقليد المنتصر أو الغالب”. لذلك دائمًا نظن أن سبيل النهوض هو السير في ركاب من سبقونا ولكن هذا خطأ كبير؛ لأن سبيل النهوض هو العودة إلى القراءة الصحيحة لنصوص القرآن الكريم بالمفهوم الإنساني وبالمفهوم الحضاري وبمفهوم التدين السلوكي وليس الشكلي، لأننا نعيش أزمة حقيقة وهي أزمة التدين الشكلي، والإسلام لا يعوّل على هذا بل يعوّل على السلوك.

بصفتكم رئيس مجمع البحوث الإسلامية ما هي المشاريع التي يهدف إليها المجمع في المستقبل، والأعمال الذي يقوم بها في الوقت الحالي من أجل محاربة الأفكار المتطرفة؟
بالنسبة للمشاريع والجهود التي يبذلها مجمع البحوث الإسلامية عبر إدارته ومن خلال المهام المنوطة به، فإن هذا يتمثل في جهود التوعية من خلال وعَّاظ الأزهر الشريف الموجودين في جميع محافظات الجمهورية ودورهم المختلف في مؤسسات الدولة، وأحب أن أنوه إلى إن المجمع يركز على العمل الميداني وليس العمل في المساجد فقط، لكن لعل من أحدث الأنشطة هي جهود التوعية التي نقوم بها مع شركة مترو الأنفاق الموجودة في القاهرة الكبرى، فهناك خدامات يومية تقدم عبر الإذاعة الداخلية في محطات مترو الأنفاق، ولأن المترو ينقل يوميًا 3 مليون راكب متغيّر، فهذه الرسائل تصل إلى هذا العدد الرهيب عبر الإذاعة الداخلية وعبر تمركز وعّاظ الأزهر الشريف في المحطات الداخلية، وكذلك من خلال المواقع التي نوفرها للجان الفتوى، حتى نيسر على الناس الحصول على الفتوى التي تراعي الزمان والمكان والعرف والأشخاص.

إن سبيل النهوض هو العودة إلى القراءة الصحيحة لنصوص القرآن الكريم بالمفهوم الإنساني وبالمفهوم الحضاري وبمفهوم التدين السلوكي وليس الشكلي، لأننا نعيش أزمة حقيقة وهي أزمة التدين الشكلي.

وأيضا من الجهود التي يقوم بها مجمع البحوث الإسلامية هو إنشاء إدارات للفتوى هذا العام في جميع مدن ومراكز الجمهورية وتزويدها بالكوادر المؤهلة المدربة في هذا الشأن، وهذا يصب في الجهود المبذولة من قبل الدولة في تجديد الخطاب الديني؛ لقطع الطريق على أدعياء الدين والذين يحاولون أن يتصدروا المشهد باسم الإسلام ليحرموا ما أحل الله ويضيقوا على الناس.
كما أننا لدينا خطة مستقبلية بالنسبة للطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم؛ من حيث التوعية الدينية وتنمية ثقافتهم وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم، حتى إذا عادوا إلى بلادهم لا بد أن يكون عندهم رؤية حيال القضايا العالمية التي تطرح من قبل الجماعات المتطرفة.
كما أننا لدينا جهود في مجال التدريب والتأهيل من خلال عقد دورات تدريبة تأهيلية في صناعة المفتي والواعظ في مجال القضايا الفكرية المعاصرة وكذلك القضايا الفقهية المعاصرة، وبالنسبة للمبعوثين للخارج نعمل على انتقاء مجموعات متميزة لابتعاثهم إلى الخارج لينشروا صحيح الإسلام ويحاربوا التطرف وأهله، وهناك الكثير والكثير فضلاً عن التصدي للأفكار المغلوطة وبيان المفاهيم الصحيحة للإسلام.