الفقمة أميرة الغواصين

عزيزي الإنسان.. أنا الفُقمة.. لقد سبق أن حدّثتْك حيواناتٌ أخرى وكشفتْ لك بدائعَ الصنعة وشتى الحِكم في خلقها، ثم قامت بدورها بالرد على الطبيعيين الذين حاولوا تفسير الخلق من خلال نظرية التطور وتنميط الحيوانات ببعض المفاهيم البيولوجية كالطفرة والانتقاء الطبيعي. وها أنا ذا أقف بين يديك منتهجة نهج شقيقاتي في الرد على هؤلاء الطبيعيين، ومقدِّمة إليك النِعم والحِكم التي وهبنيها خالقي.

هل سمعتم بحيوان برّي يغوص في البحر إلى عمق 600 متر، ويبقى هناك ساعةً كاملة دون تنفّس؟ أعتقد أنكم ما سمعتم بحيوان برِّي من هذا القبيل؛ لأن جميع الثديات البرية لا تملك الخصائص التشريحية والفيزيولوجية التي نملكها نحن الثديات البحرية، ولذلك لا تقوم بالغوص في البحر ما لم تضطر إلى ذلك. أما نحن الفقمات، فالبحر وطنُنا، لذا نقوم فيه بالغطس والقفز والاصطياد وشتى الحركات بكل يسرٍ وسهولة. ولكن حركاتنا هذه تكون في البر محدودة إلى درجة كبيرة؛ كوننا لا نخرج إليه إلا من أجل الولادة والعناية بصغارنا. في حين يدّعي بعض الوراثيين أننا نزلنا إلى البحر قبل 25 مليون سنة، ويزعمون -كذلك- أننا كنّا حيوانات برّية كاسرة كالدّببة والذئاب، ثم مع الزمن فقدْنا مواهبنا التي تمكِّننا من العيش في البر، ثم حصلنا مكانها -بالتدرُّج- على صفاتنا التي تتوافق وحياة البحر! ولا يسعني -أنا كفقمة- إلا الضحك على هذه العبارات الجاهلة التي يتفوّهون بها دون معرفةٍ أو تفكيرٍ بسماتنا التشريحية والفيزيولوجية المتكاملة البديعة.

فريق كبير

نحن الفقمات، وأُسُود البحر، وزعنفيات الأقدام، وفيلة البحر، نشكّل جميعًا عائلة بحرية كبيرة. لقد أظهر صانعنا العظيم بديع صنعه في أجسامنا؛ فكما أن بعضنا يُعرف بأنيابه الكبيرة الشبيهة بأنياب الكُبَع، فإن بعضنا الآخر من الفقمات تشتهر بفروها الوبري الكثيف، وبعضنا الآخر بأذنه.. كما يتميز بعضنا بالبنية التشريحية التي تؤثر على طريقة سباحتها.. وعلى الرغم من الفوارق البسيطة في إستراتيجيات الغطس والسباحة والصيد، فإن حركاتنا جميعًا تشبه بعضها البعض.

فنحن الذين ننتمي إلى عائلة الفقمات الأصلية (Phocidae)، زُوِّدنا بفقرات قطنية قوية جدًّا ومتحركة تساعدنا على المشي، وقد أستطيع تحريك رجلَيَّ العريضتين المسطحتين في نهاية الساقين الخلفيتين بسرعة فائقة، حيث تعمل هاتان الرجلان كمِرْوحة تولِّد طاقة كبيرة دافعة إلى الأمام وإلى الخلف. بينما لا تصلح أبدًا على السير على اليابسة. ولأن ذراعيَّ الأماميتين ويديَّ خُلقتْ بشكل قريب جدًّا إلى بعضها البعض، فإن ساقيَّ الأماميتين لا تملكان قوة دفعٍ كبيرة. ولكن هاتين الساقين الأماميتين تعملان عمل دفة التوجيه أثناء سباحتي في الماء، ثم تساعدني في الصعود إلى البر أو إلى البقع الجليدية. أما أنواعنا المعروفة بذات الأذن والمنتسبة إلى فصيلة الـ”Otariidae”، فإن فقرات صدرها ورقبتها أقوى من فقرات صدر الأنواع الأخرى، فهي تعتمد في سباحتها على حركة منطقة الورك نحو الأعلى والأسفل، كما أن القوة الدافعة لذراعيها الأماميتين أكبر بكثير مما عند الفقمات الأخرى.

الغوص في الأعماق

أكبر خاصية تميزنا عن باقي الحيوانات هي قدرتنا على الغوص في الأعماق، والتحمّل على ضغوط عالية تحت الماء، والبقاء في الأعماق مدة طويلة دون تنفّس.. وهذا أمر لا تقدر عليه الثدييات البرية أبدًا. وما هذه الخاصية الفطرية إلا آلية فيزيولوجية بديعة لنظام التنفس والدوران لدينا زوّدنا بها صاحب القدرة المطلقة والعلم الواسع اللانهائي. ففقمة وَدّال (Leptonychotes Weddellii) تستطيع الغوص في عمق 600 متر، وأما مركز الصدارة في هذا المجال فلفقمة الفيل في الشمال (Mirounga Angustirostris). فشقيقتنا هذه، تستطيع الغوص بسهولة في عمق 1,5 كم، كما أن فقمة الفيل (Mirounga Leonina) في البحر الجنوبي تقدر على البقاء في الأعماق 120 دقيقة بلا تنفّس. وقد لا يكون الضوء في هذا المدى من العمق كافيًا للرؤية لدينا، لذا زوِّدت عدسة عيوننا بآلية نستطيع من خلالها أن نصطاد حتى في أضعف نِسَب الضوء.

يقتات معظمنا على الأغذية الصغيرة الطرية، ومن أجل القَطْع والهرْس وهبنا خالقنا أسنانًا صغيرة وكبيرة تناسب حجمنا، حيث يصل عددها في الغالب إلى خمسة أسنان. وهكذا نتغذى على الأسماك الصغيرة واللافقاريات القشرية وعلى سمك الحبَّار. من أجل الحفاظ على التوازن البيئي في البحار، يتغذى كل نوع من أنواعنا بغذاء خاص به؛ فمثلاً بينما تقتات الفقمة الملتحية (Erignathus Barbatus) على الرخويات كجراد البحر والقريدس، فإن فقمة ويديل تعيش على الأسماك التي تصطادها بين الجليد الذائب، في حين تتغذى فقمة آكلة السرطان (Lobodon Carcinophagus) على السرطان، وفقمة الفهد (Hydrurga Leptonyx) تفضل في طعامها البطريق.

إن خالقنا العظيم القدير العليم، وضع نظامًا بديعًا نحافظ من خلاله على نسلنا ونتكاثر وننمو. فبعض أنواعنا كالفقمة المطوقة (Pusa Hispida)، وفقمة الميناء (Phoca Vitulina) تعيش بالقرب من الشواطئ وأعداؤها كثر، لذلك تصل إلى سن البلوغ في وقت مبكر، وقد يكون بلوغ الفقمة الرمادية، وفيلة البحر مبكرًا أيضًا، حيث تدخل غمار الحياة في وقت مبكر هي الأخرى. وإذا تجاوزنا فارق سنّ البلوغ لدى هذه الفقمات، فإننا نجد أن ذلك يزداد وينقص وفقًا لكثافة العدد، فإذا قلّتْ أعدادنا بسبب عدو أو وباء، تسارع النمو عند البقية وبلغت سن بلوغها في وقت مبكر. فمثلاً، في عام 1945 كان سن البلوغ لدى فقمة السرطان، في عامها الرابع، ولكن عندما أصبح العدد ينخفض، راحت صغارها -في عام 1965- تبلغ في سن السنتين أو السنتين والنصف. وعليه فإن اصطيادكم المفرط للحيتان في المنطقة، أدى إلى ازدياد قشريات الكريل التي تتغذى عليها هذه الحيتان، وهذا الأمر وفّر لصغارنا الغذاء الكثير، فراحتْ تنمو بسرعة وتصل إلى سن البلوغ مبكرًا.. وبذلك تم تعويض انخفاض عددنا. تهاجر أنواع كثيرة منا من منطقة إلى أخرى بحثًا عن غذائها، وإذا ما آن أوان التكاثر، عادت إلى مواطنها الأصلية في رحلة تبلغ مئات الكيلومترات. إنها تقوم برحلتها هذه دونما حاجة إلى خارطة أو بوصلة أو هادٍ إلا الفطرة والسَّوق الإلهي.

صغارنا

تتراوح فترة الرضاعة لدينا من 3-4 إلى 5-6 أسابيع حسب أنواعنا، ويتضاعف وزن الرضيع خلال هذه المدة 2,5-3 أضعافًا، إلا أن فقمة بايكال ترضع صغارها من 8 إلى 10 أسابيع، إذ يتضاعف وزن صغارها 5,5 أضعافًا. ولكي لا تموت هذه الصغار من البرد، فقد زوّد الرزاق الكريم وصاحبُ الرحمة الواسعة الأمهاتِ الحوامل بآلية تنتج الدهن بكميات كثيرة تحت الجلد، وبعد الولادة يتحول هذا الدهن إلى حليب يَرضعه الصغير. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة الدهون في حليب الأم من فقمة الـ”Pagophilus Groenlandicus” في بداية الإرضاع 23%، ثم ترتفع هذه النسبة في نهاية الإرضاع إلى 40%، كما تنخفض نسبة الماء في هذا الحليب بالتوازي. ولذلك تقوم الإناث المرضعات بالصيام في فترة الإرضاع لتمنع دخول الماء إلى جسمها. وقد تنخفض الاستقلابات الداخلية في هذه المرحلة إلى أدنى مستوياتها، وبذلك تكون قد خصصتْ المرضعات كل جهودها لتغذية صغارها فقط. تُعَدّ الطبقة الدهنية السميكة -كما عند سائر الثدييات البحرية- خزّانًا للطاقة من جانب، وعازلاً هامًّا يحفظ الحرارة الداخلية للجسم من جانب آخر. وقد تكون الطبقة الدهنية تحت جلد الفقمة الحقيقية أسمك مما عند الفقمة ذات الأذنين. الحمد لله الذي زوّدنا بنظام استقلاب يساعدنا على تخزين هذه الطبقة من الدهون المفيدة. هذا وقد تنحف الإناث -التي تصوم لكي تحافظ على نسبة البروتينات والدهون والماء في حليبها- بعد فترة الرضاعة، إذ تفقد 33% من دهونها و15% من بروتيناتها، و40% من وزن جسمها. وعند فيل البحر الجنوبي (Mirounga Leonina) الذي يبلغ وزنه أربعة أطنان، يشكل الماء في الحليب في بداية الإرضاع 70%، وبعد عشرين يومًا من الإرضاع تنخفض هذه النسبة إلى 33%، وترتفع فيه نسبة الدهون إلى 50%. في حين يكون وزن صغار فيل بحر الشمال عند الولادة 42 كجم، ولكن بعد أربعة أسابيع من الإرضاع يصل وزنه إلى 127 كجم.

أما صغارنا التي تنفصل عن أمهاتها بسبب من الأسباب -كالعواصف- وتضطر إلى الابتعاد عنها مسافة 100 كم، تملك القدرة على قطع 40 كم في اليوم الواحد سباحةً وإيجاد أمهاتها بسهولة. وإن الأنثى الصغيرة التي تتعرض لحملٍ مبكر والتي لا تقوى على الرعاية، تُسقط فرخها لتنضج أكثر وتحمل مرة ثانية بعد سنة واحدة. وحتى تتمكّن من العناية بصغيرها خلال فترة الحمل، لابد لأنثى فيل بحر الجنوب أن تبلغ على الأقل 300 كجم، ولابد أن تبلغ الأمهات 380 كجم حتى تلد ذكورًا، علمًا بأن الأمهات التي تحمل دون هذا الوزن، تلد إناثًا. فوزن الذكر يزيد على وزن الأنثى عند الإنجاب بنسبة 14%، أما هذه النسبة عند الفقمات الرمادية تتساوى بين الذكور والإناث. هذا وقد تحمل الأمهات من جديدٍ عند اقتراب موعد الفصام، كما يستمر الحمل نحو 10-11 شهرًا، ولكن النمو الجيني في هذه الفترة يتغير تبعًا لغذاء الأم وإرضاع صغيرها السابق. فالجنين الجديد ينتظر في رحم الأم فترة تقارب أربعة أشهر دون تطور، وذلك لاسترداد الأم قوتها، وبالتالي النمو الحقيقي للجنين يستغرق 6,5-8 أشهر. أما الفقمة ذات الأذنين ربما تحمل قبل أن تُتِمّ الأسبوع الأول من إرضاع وليدها الصغير، ويبقى الجنين في سبات حتى ينفطم أخوه الرضيع.

إن فيل بحر الشمال يغوص في عمق يصل إلى 250-550 إبان الهجرة، فتمضي الذكور 250 يومًا في البحر ويقطعون خلالها مسافة 21.000 ميل، في حين تمضي الإناث 300 يومًا وتقطع خلالها 18.000 ميل، وذلك لأنها تحتاج إلى غذاء أكثر لتتمكن من العناية بصغارها. وهذه الأرقام المذكورة تشكل أطول رقم قياسي بين الثدييات المهاجرة. فالفقمات التي تتزاوج في الشمال الباسيفيكي، تعود إلى موطنها الأصلي بعد رحلةٍ تبلغ ثمانية أشهر في البحر لتعيش أربعة أشهر أخرى على البر. كما تملك فيلة البحر الشمالي القدرة على النوم تحت سطح الماء 25 دقيقة من غير تنفس، حتى إنها تصعد إلى سطح الماء وتتنفس ثم تغطس وهي نائمة.

عيون تبعًا للحاجة

صمِّمت عيوننا بشكل متميز عن باقي الحيوانات، وذلك لنتمكن من رؤية محيطنا جيدًا ولنواصل حياتنا في البر والبحر. كما أن قرنية العين لدينا ولا سيما لدى فقمات الجليد، تُصان بشكل خاص لكي لا تتأذّى من شدة الأشعة فوق البنفسجية التي تنعكس على السطح الجليدي. فمن ثم لم يضع الله العليم لعيوننا قناة للدموع، وذلك لتبقى عيوننا محفوظة من أملاح مياه البحار وذرات الرمال الصغيرة. ولو كانت لعيوننا هذه القناة الدمعية، لتسربت السوائل الدمعية عبرها إلى أنوفنا وأفواهنا، وانخفضت فاعلية الصيانة إلى حدٍّ كبير.. لذا نحتاج إلى هذه الدموع لكي نغسل عيوننا وننظفها بشكل دائم.

إن عدسات عيوننا أيضًا كروية الشكل كعيون الأسماك، وهذا الشكل يتيح لنا رؤية قوية في أعماق المياه. وعليه فإن قرينة انكسار الضوء بين قرنية عيوننا الخارجية وقرنية انكسار الماء، متساوٍ تمامًا، وهذا يساعد عدسة عيوننا الداخلية على التركيز والدقة في الرؤية.

ولكي لا تنقلب ميزتنا في الرؤية هذه داخل الماء إلى حالة سلبية في البر، فإن عيوننا تتحلّى بآلية قِصَر النظر. ومن أجل الاحتماء من أشعة الضوء المنعكِس على الجليد، فإن قزحيّة العين لدينا تَضيق تلقائيًّا حتى تتخذ شكل ثقب ضيق للغاية، وبذلك تنخفض قابلية انكسار الضوء ودرجة الحسر (قصر النظر) إلى حدودهما الدنيا. وفي العتمات تتوسع الحدقة إلى أقصى حدٍّ وتتحقق الرؤية بشكلٍ سهل. وبالتالي إن طبقاتنا الشبكية الصبغية مزودة أيضًا بعددٍ كبير من اللواقط الحساسة التي تستطيع التقاط أضعف نسبة ضوئية، كما أن كمية الأصباغ في هذه اللواقط التي تشبه القضيب، مضبوطة ضبطًا دقيقًا جدًّا. فعند الفقمات التي تعيش قرب السواحل، تزداد الأصباغ الحساسة للون الأخضر، أما عند الفقمات التي تغوص في الأعماق فتزداد لديها الأصباغ الحساسة للون الأزرق. إن الضوء المارّ من الطبقة الشبكية في العين ينعكس على هذه الطبقة ليتحوّل منها إلى خلايا اللواقط مرة ثانية ويتم الحصول على أضعف نسبة ضوئية. ولقلّة خلايا اللواقطِ مخروطيةِ الشكل عندنا، تضيق مساحة الرؤية الملونة كثيرًا.

الآذان ذات التصميم المميز

تتميز آذاننا بتصميم نتمكن من خلاله التقاط الأصوات في أعماق المياه بسهولة. علمًا بأن الأصوات تصل في الماء إلى مسافات تبلغ خمسة أضعاف ما تصل إليه في الهواء، الأمر الذي يتطلب ميكانيكية دقيقة في تحديد مصدر الصوت وبُعده في الماء. لذا فصيوان الأذن الداخلية التي تستقر داخل التجويف الصدغي لعَظْم الرأس، تتصل بهذه العظمة عبر نقطة معيّنة، وتنفصل عن العظام الأخرى لإتمام عملية عزل الصوت. وبفضل هذه المكانيكية الحساسة تصبح الأذن الداخلية معزولة عن الضجيج الذي يصدر من العظام الأخرى وتتحدَّد جهة الصوت بشكل صحيح.

أما الضغط الذي يفجّر سمعكم في الأعماق فلا يؤثر فينا، لأن تجويف الأذن الوسطى والقناة السمعية لدينا، مكسوة بطبقة نسيجية خاصة، وبفضلها تتم ضبط الضغط الداخلي للأذن الوسطى، ونتمكّن من التأقلم بالوسط المحيط بنا دون تعرّضٍ لأي أذى وضرر في السمع. فنحن نملك تحت الماء سمعًا قويًّا، ونسمع من الأصوات ذات الترددات العالية ما لا يمكنكم سماعها، وفي البر نسمع كما تسمعون على وجه التقريب.

إن الشعيرات الطويلة التي تعلو فمنا وتنتشر على أطرافه، حساسة للغاية.. فهذه الشعيرات التي تبدو وكأنها مجرد شارب بسيط، هي مصدر هام لحصولنا على المعلومات؛ إنها محاطة بأعداد كبيرة من الأوعية الدموية والأعصاب والعضلات، وبفضلها نتعرّف على الأجسام المتحركة في الماء، ونحدد مواضع الصيد، ونكتشف مواطن الثقوب على السطوح الجليدية، بالإضافة إلى أمور كثيرة لا نعرفها بعدُ.. هذا وقد تتصل هذه الشعيرات بدماغنا بشبكة معقدة جدًّا من الأعصاب.

وعليه فإنني عندما أغوص، يسدّ الماء أنفي فلا أقوى على الشم.. هذا لا يعني أنني أقوى على الشمّ في البر؛ لأن الجزء المخصص للشم في دماغي صغير بالنسبة لغيري، ولكنه يكفيني هذا الدماغ أنْ مكّنني من الشم لمعرفة الزوجة والتكاثر والعناية بالصغار.

إن شكل جسمي الأسطواني الرفيع الطويل، هو عنصر مهم في تقليل فقدان الحرارة خلال السباحة، وهذا ما يوفر لي البقاء على قيد الحياة. يوجد تحت جلدي دهون تتراوح سماكتها 7-10 سم، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وجود عازلٍ في زعانفي، وإنما يتم التحكمُ بكمية الدماء التي تصل إلى تلك الزعانف ثم بضبط الحرارة، عبر نظام دقيق خاص يمتد بين الأوردة والشرايين.

ولكن -للأسف- أصبح معظم أنواعنا على حافة الانقراض نتيجة صيدكم الجائر أنتم البشر.. فمنكم مَن يقتلنا من أجل أن يصنع منا الفراء، ومنكم مَن يقتلنا من أجل أن يأكل لحمنا، أو يحصل على دهوننا.. إلى متى ستظلون على هذا القتل والتدمير؟ أما آن الوقت لأن ترحموننا نحن الحيوانات؟ ألسنا كلنا خلق الله؟ فكما تملكون حق الحياة فنحن أيضًا نملك هذا الحق؟ آمل أن يكون حديثي هذا وسيلة ليقظتكم وصحوتكم من الذهول.

(*) جامعة 9 أيلول / تركيا. الترجمة عن التركية: مصطفى حمزة.