العلاج بالألوان، صيحة جديدة في عالم الطب

العلاج بالألوان وسيلة من وسائل العلاج النفسي والجسمي، فقد اكتشف العلماء وجود مجال كهرومغناطيسي حول كل كائن حي، يعمل على امتصاص الضوء وتحليله إلى ألوان الطيف التي تبدأ بالأحمر وتنتهي بالبنفسجي. ووجدوا أيضًا، أن أنسجة الجسم المختلفة تأخذ من طاقة هذا الطيف حاجتَها، مما يؤدي إلى صحتها وتعزيز قدرتها على أدائها البيولوجي. وهذا يعني أن هناك حاجة بيولوجية للأنسجة من الألوان، فإذا ما غابت أو نقصت تعرَّض هذا النسيج للضعف والمرض والاضطراب.

وقد استُخدمت هذه الحقائق علاجيًّا، فأصبح من الممكن إعطاء المريض جرعة من الألوان كما تعطى جرعة من الدواء أو الغذاء، إذ أصبح اللون جزءًا من العلاج بالأشعة.

يَستخدم المعالجون مدىً واسعًا من الأساليب لمعالجة مرضاهم، تشمل تغطيتهم بأوشحة ملونة، أو تسليط أضواء ملونة على أجزاء مختلفة من أجسامهم، أو عرض ألوان معينة عليهم، أو تدليكهم بزيوت ملونة، أو إضافة ملابس مختلفة الألوان لخزانة الثياب.

وتعتمد هذه التقنية العلاجية -التي طوّرها علماء أعصاب أمريكيون- على حزم ضيقة من الضوء الملون تستخدم لتنشيط الخلايا المستقبِلة للضوء التي تعرف بالعصويات والمخروطيات الواقعة خلف العين في عدة جلسات تستغرق كل منها 20 دقيقة، وذلك بهدف إعادة التوازن للجهاز العصبي الذاتي.

ويرى المعالجون أن هذه التقنية إذا لم تعالج الحالات المرضية، فإنها تساعد في تحسين الصحة النفسية للمريض بشكل عام؛ فعلى سبيل المثال، يمكنها تخفيف حالات التوحد النفسي والعدوانية عند الأطفال، كما تساعد في تحقيق الدعم والراحة النفسية لمرضى السرطان وتحسين نوعية حياتهم.
وأشار الخبراء إلى تزايد إقبال الآباء على استخدام الصناديق الضوئية الملونة -التي تعرف باسم “لوماترون”- لمعالجة أطفالهم المصابين بمشكلات مرضية تتراوح من التوحد إلى عسر القراءة وخلل التناسق وعسر الانسجام، وذلك بعد أن حقق هذا العلاج نتائج ممتازة في هذا الصدد.

كيفية تطبيق العلاج باللون

لا توجد فحوص خاصة في الطب التقليدي لتشخيص “نقص” لون معين داخل الجسم، وبالتالي فالعلاج بالألوان ليس له قواعد محددة في هذا الطب، أما عن كيفية تزويد الجسم بتلك “الألوان الناقصة” التي يحتاجها، فإن ذلك يتم عن طريق ممارسة بعض وسائل الطب البديل، مثل “اليوجا” و”التصور” و”التأمل”، ولكلٍّ منها أسلوب مختلف.

وحتى يتم “العلاج بالألوان” بصورة صحيحة وسريعة، يجب أن يتوافر اللون المستخدَم في عملية العلاج في غذاء الشخص اليومي، مع الأخذ في الاعتبار القيمة الغذائية لهذا الغذاء، والتي لا يمكن إهمالها. ومن أمثلة الأغذية المحتوية على اللون الواحد البنجرُ والطماطمُ والبطيخُ وكلها يتوافر بها اللون الأحمر، أما اللون البرتقالي فنجده في الجزَر والبرتقال والمانجو، فيما يحتوي التوت والعنب على اللون البنفسجي.

الطريقة التقليدية التي تُسعمل بها الألوان للعلاج، تتمثل في “استحمام” المريض بضوء يشعّ عبر مرشح (فلتر) ذي لون معين لفترة محددة، حيث تكون حجرة العلاج مطفأة النور باستثناء الضوء اللوني العلاجي، وقد يحمل بعض المعالجين شيئًا ملونًا مثل بطاقة فوق منطقة معينة من الجسم، أو يوصون المريض بارتداء ثياب من لون معين. وفي إحدى الطرق التي تعرف باسم “تنفس اللون”، يُطلب من المريض تخيُّلَ لونٍ ما، ويُطلب منه أن يقوم بـ”استنشاق” هواء ذلك اللون، وقد يوصي المعالجون أيضًا المريض بتناول أطعمة من لون معين، وشُرْب ماء تَشرَّب ضوءَ الشمس عبر مرشّح أو لوحة أو شاشة ملونة، أو شُرْب عصير من لون معين.

العلاج بالألوان وأشعة الشمس

أصبح الكثير من الأطباء والعلماء يتجهون إلى العلاج بالألوان وأشعة الشمس، لِما لها من تأثير قوي على الإنسان أكثر من العلاج بالمواد الكيميائية.

وللدكتور “قيس غوش” كتاب بعنوان “العلاج بالألوان وأشعة الشمس”، وملخص فكــرة الكتاب هو كشف علاقة الألوان وأشعة الشمس بصحة الإنسان وسلوكه، وأنها تمنحنا العلاج عندما نشعر أننا بحاجة إليه، وهي تؤثر في كياننا تأثيرًا بالغًا. ومن الطبيعي أننا نتأثر ونستخدم الألوان في حياتنا، فنحن نتعرض لها في كل حين بصورة تلقائية ودون وعي منا. وكما يقول الدكتور “غوش”: “كلما استخدمنا الألوان بوعي زاد تناغمنا معها”. وبعد وعْيِنا لهذا العلم نجد أننا في تجدد، وأننا نسير باتجاه شفاء أجسادنا وتقوية أعصابنا. لقد بدأنا ندرك بأن صحتنا وحيويتنا تعتمدان -إلى حد كبير- على الألوان والأشعة الشمسية طالما أن حياتنا تبدأ بالنور ويمدها هذا النور بالحياة والنشاط.

والحق كما يقول الدكتور “غوش”: “إن الذين بدأوا يَعُون أهمية الألوان والنور أخذوا بالتزايد، وأن مسألة مساعدة أنفسنا غدت تعني أننا أصبحنا أكثر وعيًا لأنفسنا وللعالم الضوئي الذي يحيط بنا”.

نماذج للعلاج بالألوان

1- استخدم الفراعنة اللون فوق الأخضر داخل الأهرامات لمقاومة الجراثيم وقتل البكتيريا وبالتالي المحافظة على المومياوات.

وأظهرت البحوث الحديثة أن الاستخدام الصحيح للألوان، يمكن أن يزيد التركيز والنشاط والقدرة على التعلم والفهم والتذكر بنحو 55 إلى 78 بالمئة.

2- دراسة أخرى أجريت عام 1982 في كلية التمريض بـ”سان دييجو” تم فيها تعريض 60 امرأة في متوسط العمر يعانين من التهاب المفاصل الروماتيزمي، للون الأزرق لـ15 دقيقة، فشهدن تحسّنًا ملحوظًا في شدة الألم الذي خف بدرجة كبيرة عن ذي قبل.

3- بينت دراسة أجريت عام 1990 تم فيها تسليط أضواء حمراء اللون على عيون مجموعة من المرضى يعانون من الصداع النصفي في بداية ظهور النوبة، فتعافى نحو 93 بالمئة منهم بشكل جزئي نتيجة هذا العلاج، وأرجع المعالجون السبب في ذلك إلى أن اللون الأحمر يزيد ضغط الدم الشرياني ويوسع الأوعية الدموية.

4- كما بينت التجارب أن للألوان أيضًا تأثيرًا في مدى إحساسنا بالحرارة، حيث أجريت دراسة في النرويج عُرف من خلالها أن وجود الناس في غرفة مطلية باللون الأزرق، يدفعهم إلى رفع مؤشر التدفئة المركزية ثلاث درجات أعلى من أفراد يجلسون في غرفة مطلية باللون الأحمر.

5- وأثبتت دراسات أخرى أن خفة الألوان ودكانتها -بعمقها وتدرجها- تؤثر في دقة إدراكنا للوقت، كما يؤثر في قدرتنا على التركيز والتذكر.

6- قام عالم دانمركي يدعى “نيل فنسين” باستعمال الضوء الأحمر في علاج الجدري، وأثبتت التجارب أن اللون الأحمر يمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الجلد المصاب، كما يمنع حدوث التشوهات.

7- هناك معتقد أن ضوء الشمس بما فيه من سرعة “ألوان الطيف”، له قدرة على إنتاج فيتامين “د” تحت الجلد، وهذا الفيتامين يقل في حالة الإصابة للين العظام، حيث تعد من أهم الفلسفات في تكوين العظام.

8- كما كشف أخصائي الجلدية في مركز بوسطن الطبي بالولايات المتحدة، النقابَ عن أن حزمة من الضوء الأزرق قد تعيد نضارة الشباب إلى البشرة وتزيد الوجه تألقًا وجمالًا.

ووجد هؤلاء في دراسة، أن العلاج بالضوء الأزرق الذي صُودِق عليه أصلاً لمعالجة الآفات الجلدية السرطانية في الوجه، يزيل التجاعيد والخطوط الخفيفة والبقع البنية الداكنة من الوجه.

وأوضح الخبراء أن الضوء الأزرق يتفاعل مع محلول خاص يوضع على الوجه، وخلال 16 دقيقة تحته وبعد أسبوع واحد من النقاهة يتم الحصول على الهدف المطلوب.

9-فسّر علماء مركز بوسطن ذلك، بأن الخلايا التالفة تخضع لهذا التفاعل الذي يسبب انفصالها وتساقطها لمدة أسبوع ليحل محلها خلايا جديدة سليمة، وأشاروا إلى أن نتائجها ليست مثيرة كنتائج عملية إعادة تسطيح الجلد بالليزر، لكن مدة التعافي فيها أقصر، وهي بديلٌ بنَفْسِ جودةِ عمليات التقشير الكيماوي، وقد تكون أفضل منها كونها أبسط وأقل عدوانية وإيلامًا. وأبان الخبراء أن هذه التقنية المضادة للشيخوخة مكلفة للغاية، حيث يصل سعر الجلسة الواحدة منها إلى 800 دولار، كما أن آثارها على المدى الطويل لم تتضح بعدُ، لأنها ما زالت حديثة.

10- طوّر بعض الأطباء بحوثًا ودراسات هدفت إلى علاج الحروق بالألوان، وذلك بوضع المنطقة المصابة تحت ضوء ملفوف باللون الأخضر، وكانت النتيجة لدى كثير من المرضى أن الألم قد خف بصورة أسرع. كما استخدم الأطباء ألوانًا أخرى لعلاج الربو وآلام الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والمغص والقرحة وغيرها.
11- ثبت علميًّا أن وَضْع الأشخاص الذين يميلون إلى العنف في غرفة مطلية باللون الوردي الفاتح لفترة قصيرة يجعلهم أكثر هدوءًا واسترخاء، والسبب هو التأثير الفسيولوجي الذي تحدثه طاقة الكهرومغناطيسية لهذا اللون على إفراز الغدد التي تؤثر مباشرة على الانفعالات العاطفية المختلفة.

12- وقد ثبت أيضًا أن طلاء حُجرات الدراسة باللون الأزرق الفاتح مع وضع مصابيح إضاءة عادية، يجعل التلاميذ أكثر انتباهًا ويقلل سلوكهم العدواني، أما طلاء الجدران باللون البرتقالي مع الإضاءة بالفلورسنت، فإنه يحدث أثرًا عكسيًّا لسلوك التلاميذ.

وطريقة العلاج بالألوان تعتمد على اختيار اللون المناسب للمرض وإحاطة الجسم به مكانيًّا بالجلوس فيه أو بارتداء ملابس من نفس اللون، وتأمله أثناء تركيز العقل على الجزء المصاب من الجسم. وبذلك اتضح أنه تؤثر رؤية عين الإنسان للألوان نفسيًّا بل وصحيًّا عليه. إن للألوان تأثير سيكولوجي والتي تصنف إلى تأثير مباشر وآخر غير مباشر.

13- يؤكد المعالجون بالألوان أن جسم الإنسان يعرف بفطرته أهمية الألوان، لذلك عندما تصيبه الكآبة نراه يرتاح إذا نظر إلى السماء والبحر أو للخضرة والأشجار.

ولعلّ الزمن القادم يفصح عن بعض الأسرار التي كشفها القرآن العظيم عن الألوان وما فيها من بديع صنع الله وقدرته وآلائه، وما أودعها -عز وجل- من أسراره ولطائفه.

وأخيرًا يكفي أن نعلم أنه من غموض الأزرق خلف السماء وتحت البحر ولدت الفلسفة، ومن خير الغابات الخضراء تعلّم الإنسان الأول العطاء قبل الأخذ وهو يقطف ثمار الأشجار.

ومن وهج النار عرف ألم الاحتراق، وأيضًا أحس بالدفء والأمان من الوحوش المفترسة من سواد الليل. فمع الألوان تعلم الإنسان المعيشة على الأرض، ومن وحي الطبيعة اختار ألوانًا للحب وأخرى للحرب.

تُرى، هل سيأتي اليوم الذي سنجد فيه معاهد متخصصة للعلاج بالألوان؟ وهل سيصبح العلاج بالألوان هو صيحة القرن القادم؟

(*) استشاري في طب وجراحة العيون، وعضو الجمعية الرمدية المصرية.