السلطان عبد الحميد الثاني

“نادر آغا” مرافق السلطان عبد الحميد الثاني يحكي لنا هذه القصة التي عاشها بنفسه. يقول:
موظف يعمل براتب ضئيل في مؤسسات الدولة مقداره 5000 قرشًا، إذ لم يكن هذا الراتب يكفيه لإعاشته وإعاشة أهله… زوجته حامل ووشيكة على الولادة… وفي ليلةِ شتاءٍ قارس تبدأ فجأة آلام المخاض والتوجعات… يرتبك الرجل ولم يعرف ماذا يفعل، إذ لم يكن لحظتها يملك ولا درهمًا واحدًا… كيف سيحضر الطبيب؟ ومن أين سيأتي له بالنقود؟ وهو يدور في وسط الغرفة بانفعال وقلق، يهديه تفكيره إلى الاتصال بقصر السلطان… يُسرع إلى البريد ويرسل برقية إلى السلطان يعرض فيها حالته المأساوية ويطلب منه الإعانة والنصرة العاجلة.
وفي الليلة نفسها تصل البرقية إلى القصر، ويتم عرضها إلى السلطان مباشرة. يقول “نادر آغا”:
تأثّر السلطان عبد الحميد الثاني تأثرًا شديدًا مما سمع، فلم يعد يتحمل، فشدّ الرسالة من يد القارئ وبدأ يمرر نظره عليها بحزن وغمّ… تغيّرت ملامحه واصفرّ لونه من شدة الخطب… أطرق رأسه ثم قال وعيونه مغرورقة بالدموع: ربّاه… أعنّي على مؤازرة هؤلاء المساكين، ولا تجعلني من الرعاة الذين لا يبالون برعيتهم، ولا يهتمون بأمورهم… ربّاه… ربّاه…
ثم أمرني أن أجهّز سيارة إسعاف القصر على الفور، وأن آخذ طبيب القصر الخاص به، وبعض الممرضات والدايات، تلبية لنجدة ذلك المسكين… وطلب مني أن أخبره بكل ما يحدث بالسرعة القصوى.
فأخذتُ معي “باسِم عمر” طبيب القصر، و”جميل باشا” مسيّر شؤون القصر، والدايات، واتجهنا جميعًا نحو بيت الرجل مسرعين.
وعندما عدتُ إلى القصر قبيل الفجر، وجدتُ السلطان عبد الحميد ينتظرني بفارغ الصبر، كان الإرهاق والتعب باد عليه بسبب التفكير بحال الرجل الفقير ومصير زوجته الحامل… فبشّرته بأن المرأة وَلدتْ ذكرًا وجهه كالبدر ليلة التمام، وأن أباه سمّاه عبد الحميد، وأن المرأة بكمال الصحة والعافية، وأنهما يدعوان لكَ بالخير وطول العمر… عندها أشرق وجهه بابتسامة…حمد الله وأثنى عليه على ما أولاه من نعمة… ثم بهدوء دخل إلى غرفته للاستراحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نشرت في جريدة “ترجمات” في 9 يناير 19755.