الجهاز العصبي يتكلم

أنا من أروع الأنظمة والأعضاء التي شرحتْ لك نفسها؛ فأنا الذي أؤمّن الارتباط بين جميع الأنظمة والأعضاء لتكمل وظائفها. فكما تنتشر الأوعية الدموية في جميع أجزاء الجسم لنقل الأُكسجين؛ كذلك أقوم أنا بتغطية جميع أجزاء جسمك كشبكة لكي تكون على علم بكل ما يحدث. وإذا أُصبتَ بأي خلل أو مرض في أي عضو داخلي قمتُ بإخبارك حالا، بل بحثّك على السعي للعلاج.
و”النظام العصبي” شبكة من الخلايا العصبية، ولكن هذه الشبكة مخلوقة ومرتبة بشكل معقد جدا. فأهم المراكز الرئيسية موضوعة داخل القحف قريبة من بعضها البعض على شكل كتل كبيرة. أما امتدادات النظام العصبي والمراكز الفرعية الأخرى فمنتشرة وموضوعة في مناطق مختلفة من الجسم.
ولكي تفهم هذا النظام بشكل أسهل وأفضل فمن المفيد تقسيمه إلى قسمين. فالقسم الأول هو المركز العصبي الذي يتكون من المهاد البصري، وما تحت المهاد البصري، والمخيخ، والنخاع الشوكي. أما القسم الآخر فهو النظام العصبي المحيط والشبيهة بكوابل الألياف الضوئية.
والدماغ يتكون من قسمين كرويين كبيرين، بالإضافة إلى ساق الدماغ. وكما أن المركز يكون أهم شيء في جميع الأنظمة، فكذلك المركز العصبي في جسمك الذي يتكون من فصي الدماغِ والمخيخ وساق المخ مهم جدا. ويأتي بعد ذلك في الأهمية الحبل الشوكي الذي يعتبر أيضا من النظام المركزي للجهاز العصبي، ولكنه لا يوجد داخل القحف، بل ضمن القناة الداخلية للسلسلة الفقرية. وإذا أصاب الحبلَ الشوكي أيُّ ضرر فهذا يكون مهما، لقربه من المركز العصبي. وأي ضرر أو جرح يصيب الأقسام المتكونة من الأعصاب الخارجة من المركز إلى الخارج يؤدي إما إلى شلل أو إلى عطل في وظيفتها، ولكنه لا يؤدي إلى خطرِ فقد الحياة.

أرقام مذهلة

عزيزي عبد الله… والآن سأعطيك بعض الأرقام التي ستذهلك؛ إن مجموع طول الشرايين الدموية يبلغ 120 ألف كم (أي يبلغ هذا الطول ما يكفي للدوران حول محيط الكرة الأرضية ثلاث مرات)، بينما يبلغ مجموع طول الأعصاب عندي 780.000 كم، وهذا الطول يبلغ ضعف المسافة بين الأرض والقمر. و400.000 كم من هذا الطول هو مجموع طول الأعصاب المنتشرة في أجزاء الجسم. أما الباقي (أي 368.000 كم) فهو مجموع الأعصاب العائدة إلى المركز العصبي. ويقرب عدد المعلومات الواصلة من خلية واحدة مائتي ألف معلومة. وهذا يعني أن مئات الآلاف بل الملايين من المعلومات تمر من داخل خليتي من المركز إلى المحيط، ومن المحيط إلى المركز. وأنا أملك ثلاثين مليار خلية؛ عشرة مليارات منها في محيط القشرة، وعشرة مليارات تقريبا منها في قشرة المخيخ، أما الباقي فيشكل أجزائي الأخرى. ومن أجل الإيضاح أقول: يملك دماغ البعوض مأة ألف خلية، ودماغ الفأر عشرة ملايين خلية. ولكي يتم تبادل المعلومات بين خلاياي البالغة ثلاثين مليار خلية هناك نقاط اشتباكات عصبية يبلغ عددها مائة تريليون نقطة. أما عدد المخابرات والاتصالات التي يمكن لهذه الاشتباكات العصبية إجراؤها مع بعضها البعض فيزيد على عدد ذرات الكون.
في المرحلة الأولى لأي فعالية ذهنية تدخل ما بين 10-100 مليون خلية في النشاط الذهني، فإذا استمرت الفعالية وتعمقت طفر هذا العدد إلى أرقام كبيرة. ويتم تبادل التنبيهات والرسائل بين فصي الدماغ بعدد 4 مليار تنبيه في الثانية الواحدة.
وبينما كنتَ جنينا بعمر بضعة أسابيع كانت بنيتي عبارة عن ماء بنسبة 92%، وعندما ولدتَ أصبحتْ هذه النسبة 90% وعندما تصل إلى سن النضوج تصبح النسبة 77%، فـ 77% من الماء والباقي عناصر مختلفة.
إن الله تعالى بقدرته وضعني في رأسك، وبواسطتي تقوم أنت بإنشاء الحضارات وبالاكتشافات، وبالتفكر في خالقك، وتدرك معنى الكون والحياة. وأنا الوسيلة لك في إدراكك وشعورك لمختلف المناظر والأصوات والروائح والطعوم، وذلك بتقييم الموجات الكهربائية التي تَرِد إليّ بأطوال وترددات مختلفة من حواسك. فكل شيء تعمله يمر أولا من عندي، وأنت لا تحس ولا تشعر به؛ فعندما تمشي أو تأكل أو تتكلم أو تنام تأتي لي رسائل ومعلومات من كل نقطة في جسمك. وبتقييم هذه المعلومات أعطي أجوبة مناسبة لها.
عزيزي عبد الله… إن ما تعرفونه عني ليس إلا شيئا يسيرا؛ فكل قسم من أقسامي له وظائف حيوية وواسعة جدا، ودعني أخبرك بأهم الوظائف التي يقوم بها كل منها بشكل موجز:

المخيخ

هو المركز الذي يؤمّن التوازن وتَناغُمَ الحركات دون أي خطأ أو انحراف. علاوة على أن هذا القسم لا يملك شعورا إراديا، فإن تغيير وظائفه بشكل إرادي غير ممكن. إن بَصَلة الحبل الشوكي (النخاع المستطيل) التي تشبه الهرم تصل القسم الأوسط من الدماغ. وهي تشكل مع جسر “فارول” ساقَ الدماغ الذي يدخل من الثقب الخلفي الموجود في القحف إلى السلسلة الفقرية. توجد هنا مراكز عديدة تقوم بضبط نبض القلب وتنظيم التنفس وضبط فترات الهضم وغيرها من الفعاليات المستقلة للأعصاب. إن السيطرة على ردود الفعل، وتنظيم الجو الداخلي للأعضاء والسيطرة على الحركات تكون بالمخيخ، وترتيب الأحاسيس الآتية من الأعضاء الداخلية والسيطرة على بعض الوظائف المهمة كالانفعالات والنوم يتم بالاستعانة بالمهاد البصري.

المهاد البصري

يقع المهاد البصري بين بصلة الحبل الشوكي وفصي الدماغ، ويقوم بمهمة مثلِ مهمةِ محوِّلة اتجاه القطارات في السكك الحديدية أو مهمة المحطات الثانوية. وتقوم هذه المنطقة بجمع كل التنبيهات الآتية إليها من الحواس ما عدا الشم، وتنقل المعلومات إلى “القشرة الدماغية العلوية” لكي تنعكس إلى المستوى الشعوري، مثل التمييز بين الإحساس باللمس والألم والأصوات حيث يتم تقييم هذه الأحاسيس بشكل شعوري. ويُعتقَد أنه يقوم أيضا بتنظيم حالات الصحو واليقظة والنوم، وأنه يلعب دورا في التغيرات الشعورية التي تظهر.

ما تحت المهاد البصري

هو مركز مهم يقع تحت المهاد البصري ويقوم بالسيطرة على الأحاسيس الجنسية والآلام ومشاعر الاستحسان والجوع والظمأ وضغط الدم وحرارة الجسم والعديد من وظائف الأعضاء الداخلية. وله وظيفة هامة في تنظيم إفراز الهورمونات. والأليافُ العصبية المتشابكة التي تأتي إلى هذا المركز من فص الشم عندي ومن المهاد البصري ومن فص الجبهة تصل إلى المراكز التي تسيطر على الفعاليات المستقلة وإلى البنية الشبكية الشكل.
ومع أن فَصَّي المخ يتشابهان تماما في منظرهما إلا أن هناك بعض الفروق بين وظائفهما؛ فمثلا المراكز المسؤولة عن النطق عند أكثر الناس في الفص الأيسر، بينما المناطق التي تسيطر على الإحساس بالمكان في الفص الأيمن. وعندما تحتاج إلى إجراء عملياتٍ منظمة (مثل الجمع والطرح أو عند تزرير قميصك) تقوم باستعمال الفص الأيسر. أما إن كنت تفكر بالاستعانة بالرسم فتستعمل الفص الأيمن. ولولا الألياف العصبية الغليظة التي تربط بين فصي المخ لاستطعت قراءة كلمة “السمكة” ولكنك كنت ستعجز عن تمثل السمكة أمام عينيك. لذا لابد من استعمال الفص الأيمن.

المادة السنجابية

هي القشرة التي تغطي فصي المخ وتحتوي على تلافيف والتواءات كثيرة. والقشرة تحتوي على القسم الأكبر من خلاياي. أما المادة الموجودة تحتها فلونها أفتح، ويطلق على المنطقة التي توجد فيها امتدادات خلاياي اسم “المادة البيضاء”. ومنطقة القشرة (اللحاء) تتكون من ست طبقات، وخلاياها مختلفة. وتشكل مركزا يقوم بتقييم وتحليل التنبيهات الواردة إليها من الحواس، وبالسيطرة على الحركات الإرادية للعضلات وبالتفكير والتذكر والتعلم. والفصان اللذان يشكلان المخ الرئيسي (الكبير) يشكلان 85% من جميع الدماغ.

نمو النظام العصبـي

عندما ولدتَ كان وزني أربعمائة غم، وفي سنة واحدة وصلتُ إلى ثمانمائة غم. وعندما بلغتَ سن الرابعة كان وزني 1200 غم. وتباطأ نموّي بعد السابعة. وعندما بلغتَ العشرين أصبح وزني 1379-1434غم. أما في النساء فيكون أقل قليلا، وأَصِل إلى وزني النهائي عند النساء في وقت أبكر مما أصله عند الرجال (المتوسط عند النساء 1230-1306 غم). وبعد سنوات الشباب أتقلص كل سنة بمقدار غم واحد في المتوسط. وعندما تبلغ الخامسة والسبعين من عمرك أكون قد تقلصت بنسبة العشر بالمقارنة مع وزني عندما كنتَ في سن العشرين. وسبب هذا أن خمسين ألف خلية عصبية تقريبا تموت كل يوم أو تصبح غير ذات فائدة بعد العشرين.
ومع أن خلايا الجسد تملك قابلية تجديد نفسها بعمليات الانقسام وزيادة أعدادها إلا أن الخلايا العصبية ما إن تبلغ العدد المكتوب في قَدَرك بعد مراحل التطور الأولى في الرحم حتى تفقد خاصية التكاثر. ولكن عدد الارتباطات بين الخلايا يزداد، لذا يزداد وزني. وذلك بسبب ما يَرِد إلى هذه الرابطات من الغذاء من الخارج. وعندما يتقدم العمر يقل عدد هذه الرابطات. وفي مرحلة الشباب عندما تَقرأ أو تشاهد أيَّ شيء أو تمر بأي تجارب.. كل هذه الأمور تزيد من عدد هذه الارتباطات. وهذا يؤدي إلى زيادة قابليتي في التفكير. واذا داومت في مرحلة الشيخوخة على هذه الفعاليات الذهنية من قراءة ومطالعة وكتابة، ولم تنقطع عن فعالياتك الاجتماعية استمرت الزيادةُ في عدد هذه الارتباطات.

مناطق الدماغ ووظائفها

عندما نقوم برسم خريطة للقشرة التي تغطي المخ الرئيسي نرى أن هناك مناطق مختلفة للحواس وللفعاليات الأخرى تتكاتف فيها بؤر معينة لها حدود معلومة بمقياس لا بأس به. فمثلا قسمِي الموجودُ في المنطقة القذالية الواقعة خلف رأسك تماما هو قسم الرؤية، أما أقسامي الموجودة في منطقة الجبهة فهي للسمع. وعلى اليسار توجد منطقة التكلم (هذا في الأغلب)، وفي منطقة الجبهة (الفص الأمامي) يوجد في الجدار الأمامي للأخدود الوسطي المركز الأول المسؤول عن تخطيط حركات الإنسان، ففي القسم العلوي من المنطقة الأمامية مركز مسؤول عن الحركات المعقدة، وخلفه مباشرة وفي وسط المنطقة الجانبية مركز مسؤول عن الحركات البسيطة. أما المنطقة الموجودة خلفه والمجاوِرة لحاسة السمع والتي تمتد إلى الأعلى فمسؤولة عن حاسة اللمس. ولكن جميع هذه الساحات والمناطق ليست محددة بشكل قاطع، بل هي في وضع مبعثر وتملك شبكة من الارتباطات المعقدة. أما الساحات الموحدة القريبة من هذه المناطق فمسؤولة عن تحويل التنبيهات الآتية من الحواس إلى معانٍ وصور.

النخاع الشوكي

يمتد النخاع الشوكي بعد خروجه من القحف في العمود الفقري، وهو المركز الذي ترتبط به التنبيهات الآتية من مناطق الجسم الموجودة تحت الرقبة. ومع أن المادة السنجابية تكون في الخارج (القشرة) والمادة البيضاء في الداخل، إلا أن المادة السنجابية تكون داخل النخاع الشوكي في الداخل في شكل فراشة، أما المادة البيضاء فتكون في الخارج وتشكل غلافا يحيط بالمادة السنجابية، ويؤمِّن هذا المركزُ جميعَ ردود الأفعال في الحبل الشوكي بواسطة التنبيهات الآتية من المحيط -ولا سيما من الجلد والعضلات- بواسطة عُقَد الاتصال (الخلايا الرابطة) الموجودة بين الخلايا العصبية. وبينما يقوم قسم من الخلايا الرابطة بالإجابة على ردود الأفعال يقوم القسم الآخر بنقل هذه التنبيهات إليّ. وهكذا تظهر القرارات الإرادية.
يخرج من الحبل الشوكي 31 زوجا من الأعصاب يسارا ويمينا. أما من المنطقة داخل القحف فيخرج 12 زوجا. وجميع هذه الأعصاب تخرج من مركز الجهاز العصبي وتتوزع على مختلف الأعصاب، فهي إذن منظومة عصبية لمحيط الجسم. وباستثناء العصب العاشر الذي يخرج من المخ وهو “العصب التائه” تقوم جميع الأعصاب الخارجة من المخ بالسيطرة على فعاليات الحركة والإحساس لمنطقة الرأس والعنق. أما الأعصاب الخارجة من الحبل الشوكي فيخرج كل عصب من الثقب الموجود في جانب كل فقرة من العمود الفقري. ولكل عصب من هذه الأعصاب جَذرانِ: أحدهما جذر عصب الإحساس ويقوم بإيصال التنبيه، والآخر عصب الحركة ويقوم بنقل أمر الحركة. وما إن يخرج هذان الجذران من فقرة العمود الفقري حتى يتحدا في الخارج. وهكذا تظهر الألياف العصبية المجدولة التي تنقل الأحاسيس وتنقل أوامر الحركات أيضا. ومن هذه الألياف العصيبة تنتقل فروعٌ نحوَ كل عضو من الأعضاء؛ فمثلا إن غرست إبرة في يدك قامت الخلية العصبية التي تنقل التنبيهات والأحاسيس بإيصال هذا التنبيه إلى الحبل الشوكي عن طريق ذراعك. والجواب الوارد من الحبل الشوكي هو رد فعل يجعلك تسحب يدك حالا. ورد الفعل هذا يصل إلى عضلات الذراع وعضلات اليد.

عناية ربانية

تنقسم هذه الخلايا في المنظومة العصبية العائدة إلى محيط الجسم إلى مجموعتين: المنظومة الجسدية المنتشرة في عضلات العمود الفقري، والمنظومة العصبية المنتشرة في الأعضاء الداخلية. ومعظم فعاليات المنظومة الجسدية تكون إرادية وشعورية، أما الأخرى فمعظم فعالياتها تكون لاإرادية ولاشعورية. وأما الفعاليات اللاشعورية فهي تسيطر دون أن نشعر على العضلات المستقيمة التي تنظم ضربات القلب وإنتاج عصارات الغدد وإفرازها وعضلات الشرايين الدموية وعضلات التنفس والهضم والإفراغ والتناسل.
عزيزي عبد الله…
لو أعطي كل شيء تحت إمرتك وسيطرتك هل كنت تستطيع تدبير كل هذه الأعمال العديدة وإنجازها؟ إن إرادتك تعمل حتى حين قيامك بوضع لقمة في فمك. ولكن جميع عمليات إفراز الغدد الهضمية وجميع حركات المعدة والأمعاء، وجميع فعاليات الإفراغ تجري كلها خارج إرادتك بشكل آليّ. فحركة تنفسك لا تتوقف عندما تنام، ولا تتوقف كليتاك عن فعالياتها لكونك نائما، ولا يقوم قلبك بالتوقف عن عمله وأَخْذِ قسط من الراحة عندما تنام، ولا يتوقف كبدك عن نشاطه، ولا يتوقف البنكرياس عن إفراز الأنسولين. وجميع أعضائك الداخلية وشرايين دمك مستمرة في أداء أعمالها بالتعاون مع العضلات المستقيمة في كل وقت ومكان. وتجري كل هذه الفعاليات والأنشطة دون أن تشعر بها، والحقيقة أنك لو قمت بأدائها شعوريا لتعبت بعد خمس دقائق فقط، إذ لا تستطيع الاستمرار في التركيز فيتشتت انتباهك.

الألياف العصبية

تنقسم الألياف العصبية في المنظومة العصبية في الإنسان إلى قسمين: أولهما القسم السمبثاوي، والثاني نظير السمبثاوي. وقد خُلق هذان القسمان بحيث يجيب أحدهما الآخر بشكل متقابل وتمتد بشكل سائب. ويقوم أحدهما بتحفيز العضو للعمل السريع وللإنتاج الكثير، بينما يقوم القسم الآخر بتهدئة العضو وتبطيئه وتقليل الناتج. وبين هذين التنبيهين يقوم العضو –حسب ظروفه وأوضاعه- بأنسب إيقاع عمل وأفضله. والقسم السمبثاوي يهيئ الجسم في الأغلب لمواجهة الظروف المتوترة وظروف الصدمات. فمثلا تعود زيادة ضغط الدم وزيادة مستوى السكر في الدم وزيادة التعرق وتوسّعُ حدقتي العين وسرعة جريان الدم في العروق إلى تأثير الألياف العصبية السمبثاوية. أما القسم نظير السمبثاوي فيعمل على إعادة الأحوال الهادئة للأعضاء الداخلية وإلى تخفيض ضغط الدم لكي تستطيع هذه الأعضاء القيام بوظائفها.

الخلايا العصبية

تحدثتُ منذ البداية عن أقسام وتنبيهات مختلفة، ولكني لم أتحدث عن خليتي العصبية التي تعد الأساس في المنظومة العصبية ولا عن كيفية عملها. فالخلايا العصبية التي يبلغ عددها 30 مليار خلية هي الوحدات الأساسية التي تعمل في جميع أقسام المنظومة العصبية. والخلية العصبية تتكون من جسم الخلية ومن الامتدادات العديدة التي تخرج من جسم الخلية مثل الأغصان المتشابكة للشجرة. ونحن نطلق اسم “المحور العصبي” على جسم الشجرة وعلى امتداده الوحيد والغليظ. أما أغصان الشجرة وتفرعاتها الدقيقة فتدعى “الزائدة الشجرية”. والتنبيهات التي تسير بشكل تيار كهربائي تنتقل من المحور العصبي نحو هذه الزوائد الشجرية. ونقطةُ الارتباط بين محور خلية عصبية والزائدة الشجرية لخلية عصبية أخرى يتم عن طريق إفراز مادة كيميائية تدعى “نوروترأنسميتر” إلى الفراغ الموجود في نقطة الاشتباك. وما إن تصل هذه المادةُ إلى جدار الخلية الموجودة تجاهها حتى يحصل تيار كهربائي. وكما يحدث في أحجار الدومينو حيث تسقط هذه الأحجار بالتتابع، أو كما يحدث في بعض المباريات عندما يرفع المتفرجون أيديهم بالتتابع محدِثين حركة تماوجية، كذلك تنتقل الرسائل التي يحملها التيار الكهربائي بسرعة كبيرة من طرف الخلية إلى الطرف الآخر، ثم تنتقل إلى الخلايا المجاورة. وبينما تملك الخلية في حالة سكونها (70mv-) طاقة مدخرة يمكن بتيار كهربائي شدته (30+ إلى 40+ mv) نقل جميع المعلومات المطلوبة. وكل خلية تستطيع نقل ألف إشارة في الثانية الواحدة.

الذاكرة

أما الذاكرة التي لا نعرف تماما ماهيتها حتى الآن، فهي تقوم بخزن مئات التجارب كل يوم وتستطيع إرجاعها إلى ذاكرتنا. وهناك عدة نظريات تحاول تفسيرها وتفسير كيفية عملها. ولكننا نعلم أن جواب هذا السؤال لابد وأنه يكمن داخل خلاياي العصبية. وبالنسبة للذاكرة فمن الصعب تحديد مركزها تحديدا قاطعا. وربما كانت هناك علاقة لجميع المراكز العصبية بالذاكرة. والذكريات المخزونة تكون على أنواع: فمنها صوتية، ومنها صور ومَشاهد، وبعضها تتعلق بالروائح، وبعضها تتعلق بالخيال، وأخرى بأحاسيس الغضب أو الفرح.
وأنت لا تستطيع حتى تخيُّل مدى سعة الذاكرة عندي؛ فأنا أملك نوعين من الذاكرة؛ أحدهما على المدى القصير، والآخر على المدى البعيد. ففي المدى القصير أستطيع في كل مرة حفظ تسعة أشياء مختلفة كحد أقصى. ومعظم الناس لا يستطيعون حفظ أكثر من سبعة أشياء في ذاكرتهم. وفي الذاكرة على المدى القصير لا يبقى شيء أكثرَ من بضع دقائق. وما تتذكره للمُدد التي تزيد على هذا يعود إلى الذاكرة على المدى البعيد حيث يسجل هناك، فيبقى هناك أياما وأسابيع وشهورا بل ربما لسنوات. وما تتعلم أو تعلم من شيء إلا وهو محفوظ في الذاكرة على المدى البعيد. وما إن تبلغ الثامنة من عمرك حتى يبلغ حجم المعلومات المخزونة في ذاكرتك ما يساوي المعلومات المدونة في مليون مجلد من دائرة المعارف. ومع ذلك فهذا المقدار يعد شيئا ضئيلا، لأن ذاكرتك على المدى البعيد تملك سعة غير محدودة ولا يمكن ملئها؛ فحتى لو تجاوز عمرك المئة عام فإن ذاكرتك مستعدة لحفظ أشياء جديدة على الدوام. إن فعاليات التعليم في الصغر (مثل حفظ القرآن الكريم أو تعلُّم لغة) تكون أسهل، وتتحقق بشكل سهل ورصين. ومثل هذه الفعاليات التعليمية في الصغر تقوّي الذاكرةَ.

اللاشعور

أما تذكُّر حادثة فهو تكرار الشفرة الكهربائية التي سَجلت تلك الحادثةَ في أثناء حدوثها. فأحيانا تُحاول تذكرَ اسم شخص فلا تستطيع، مع أنك تشعر أن الاسم على طرف لسانك، ثم تيأس وتترك محاولة التذكر. ولكن ما إن يمر يوم أو يومان حتى يخطر ذلك الاسم على بالك فجأة فتفرح. فهل تعرف كيف يحدث هذا؟ عندما تحاول جاهدا تذكرَ الاسم فأنت في الحقيقة تستعرض جميع خلاياي العصبية للتوصل إلى الملف الذي خزنت فيه ذلك الاسم، ولكنك لا تجده عند بحثك واستعراضك لمليارات الخلايا العصبية؛ لأنك إما لم تستعمل ذلك الملف كثيرا، أو لم تضعه في مكان أمين لعدم أهميته بالنسبة لك. ولكنك لا تنسى أبدا اسم والدك، لأنك تعدّه شيئا مهما وتستعمله بكثرة، لذا فهو موجود في ملف أمام عينيك.
ولكن عندما تيأس وتتخلى عن محاولة التذكر تبدأ آلية أخرى بالعمل يطلق عليها اسم اللاشعور، وهي آلية حافلة بأسرار أكثر. تبدأ هذه الآلية بالعمل دون أن تشعر بها، وتُخرج لك ذلك الملف وتضعه أمامك فتذهل وتتعجب. فاللاشعور مكان محفوف بالأسرار ويؤثر في جميع جوانب حياتك. ولا يسجَّل في اللاشعور سوى المشاعر الصادقة والحقيقية الخالية من الرياء والأفكار الحقيقية. ثم هناك الذكريات الأليمة وذكريات الذنوب التي تهزك من أعماقك.. ومثل هذا الشعور بالذنب الموجود في اللاشعور وعقدة النقص تنعكس في العديد من سلوكك. ولكن مثل هذه المشاكل نتيجة لا يمكن للإنسان الهرب منها، ولكن الخلاص منها بيدك. فإن كنت رجل إرادة وشغلت نفسك بصبر بأعمال الخير نجحت في تغليب فطرتك السليمة فلا تعود تلك الذكريات القبيحة مؤذية لك، فتنجح في إصلاح هذا الأمر.