إن الإسلام رفع راية السلام منذ اللحظة الأولى لميلاده، ولم يعلن حربًا إلا إذا كان قد دُفع إليها دفعًا. ولقد ظل ثلاث عشرة سنة بين ربوع مكة محاولاً نشر دعوته في ظل السلام فما استطاع، واضطهد أتباعه اضطهادًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، ولكنه -مع هذا- كان يأمر أتباعه بالجنوح إلى السلم والأخذ بالعفو والإعراض عن الجاهلين. فليس هناك دين دعا إلى السلام كما دعا إليه الإسلام، ولا مذهب من المذاهب القديمة أو الحديثة أسهم في تدعيم أسس السلام كما أسهم الإسلام. فالسلام في الأرض هو هدفه ودعوته، وأنشودة رسالته، ولم تكن حروبه في الواقع إلا وسيلة لإقرار هذا السلام في الأرض.

الأمن منظومة متكاملة

إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان، ولا يتوفر الأمن للإنسان بمجرد ضمان أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها، وعلى هويته الفكرية والثقافية، وعلى موارد حياته المادية.

والشعوب والدول تحتاج -فضلاً عن الحفاظ على أمنها الخارجي- إلى ضمان أمنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي ودون أن يتحقق لها ذلك لا تتمكن من النهوض والتطلع إلى المستقبل، بل يظل الخوف مُهيمنًا على خطواتها ومقيِّدًا لتطلعاتها.

ولذلك، فإن تكامل عناصر الأمن في مجتمع معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل… وتوفير عناصر الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وبقاؤه في المجتمع، ضمان له لاستعادة أمنه الخارجي حتى لو فقده بصفة مؤقتة أو عارضة.

ويمثل التزام الإسلام عقيدةً وشريعة وقيمًا وأصولاً اجتماعية، أهم عناصر الأمن في المجتمعات الإسلامية. يقول الكاتب الأمريكي برنارد لويس: إن الدولة الإسلامية قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكري، ولكن المجتمع يظل في حياته محكومًا بقوانينه الإسلامية في معاملاته وعلاقاته -ربما عشرات السنين- حتى تقوم الدولة من جديد، وهي تجربة مرت بها الدول الإسلامية التي خضعت للاستعمار عشرات السنين.

الأمن في خبرة الدولة النبوية

كيف كان الأمن للناس جميعًا في دولة الإسلام منذ ظهرت إلى الوجود في المدينة المنورة؟

لقد كان الأمن بمفهومه الشامل، هو أول أهداف الدولة منذ قيامها. فقد آخى النبي -صلى الله عليه وسلّم- بين المهاجرين والأنصار، إذ كان الأولون قد تركوا ديارهم وأموالهم ليكونوا من رعايا ومواطني أول دولة إسلامية، وكانت المدينة بالنسبة لهم دار غربة في أول الأمر، وكان موقف انصار رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بالنسبة لإخوانهم في الدين، معبرًا عن أخوة الإيمان والإسلام، وعن النفوس الزكية بخلق الإسلام.

فتح مكة مثالٌ ساطعٌ على مركزية الأمن

نجد مثالاً ساطعًا في السنة المطهرة لقيمة الأمن في الإسلام. فقد أقام الرسول -صلى الله عليه وسلّم- الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، ولم تَسْلَم هذه الدولة الناشئة من مكايد المشركين واليهود، حيث دارت المعارك سجالاً بين دولة الحق وشراذم الباطل وأعوانهم، وكتب الله النصر للمسلمين في هذه المعارك. وظل السِّلْم بين دولة الإسلام الأولى وبين مشركي مكة محكومًا بهدنة الحديبية التي عقدها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- مع المشركين في مكة، حتى نقضوا عهدها وانتهكوا شروطها بإعانتهم حلفاءهم على حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلّم- من بني خزاعة، فاستنصر بنو خزاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- فنصرهم وفاءً بالعهد. وقبل أن يدخل الرسول -صلى الله عليه وسلّم- إلى مكة، جاءه نفر من وجهاء قريش فأعلنوا إسلامهم وكان منهم بعض أعداء الإسلام كأبي سفيان بن حرب، وعبد الله بن أمية، ولما أسلموا كانت لهم مواقف ومشاهد تكفِّر عنهم ماضيهم في الجاهلية.
وعند فتح مكة على أيدي من آذتهم قريش ومشركوها أشد الأذى، قال سعد بن عبادة -رضي الله عنه- حامل راية الأنصار في جيش المسلمين: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: “كذب سعد… ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة” (رواه البخاري)، وأخذ الراية منه ودفعها إلى ابنه قيس (وقِيل: دفعها إلى الزبير بن العوام). ودخل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة خاشعًا شاكرًا لله. ولم ترق دماء كثيرة في فتح مكة، فقد أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلّم- الأمان لأهل مكة: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن” (رواه أبو داود). وهكذا كان الأمان شاملاً لمن لم يقاتل أو لزم داره، أو دخل دار أبي سفيان، أو البيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا.

وحين تم النصر والفتح، عفا الرسول -صلى الله عليه وسلّم- عن أهل مكة عندما اجتمعوا إليه قرب الكعبة ينتظرون حكمه فيهم، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: “ما تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. وذكّر الرسول -صلى الله عليه وسلّم- المسلمين المنتصرين بحرمة مكة، وحرَّم القتل والسبي فيها، وأبقى على الناس أموالهم، وحفظ حقوقهم، حتى أدى مفاتيح البيت الحرام إلى من تحملوا شرف الحفاظ عليها.

وهكذا كان الأمان للجميع، وكان الأمن الشامل للناس في عهد النبوة، سواء في دولة الإسلام في المدينة، أم في مكة التي دخل أهلها بعد الفتح في دين الله أفواجًا، وأصبحت أقدس مدينة في تاريخ الإسلام والحرم الأول للمسلمين، الذي جعله الله مثابةً للناس وأمنًا.

الأمن حق لغير المسلمين أيضًا في الدولة النبوية

إن الإسلام يتميز في خصوص التعامل مع غير المسلمين بأمرين مهمين:

الأول: أن له نظامًا يعدّ جزءًا لا يتجزأ من شريعته المتكاملة، وهو نظام للمسلمين يعملون به دائمًا ويلزمهم بحكم عقيدتهم. ولم يترك الإسلام العلاقة مع غير المسلمين لتقلبات المصالح والأهواء، ولنزعات التعصب العرقي أو اللوني، أو الديني. ولم يتغافل الإسلام عن وجود “الآخر” وأهمية التعامل معه، فوضع القواعد التي تضمن حق المسلمين في المجتمع، وحق الآخرين الذين يعايشونهم دائمًا أو بصفة مؤقتة، ولم يكن ذلك معهودًا في الممالك والإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام.

الثاني: أن القواعد التيث وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم، تتميز بالسماحة واليسر، وحفظ الحقوق، وتجنب الظلم لمجرد الاختلاف في الدين. فهناك حد أدنى يجب الحفاظ عليه حتى في حالة العداء أو القتال، وهو الكرامة التي وهبها الله لبني آدم، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)(الإسراء:70).

ولذا، لم تقتصر الشريعة الإسلامية على حماية من يعيش في مجتمع المسلمين في حياته الدائمة والمستقرة بين أسرته، وفي مقر عمله الذي يتكسب منه -وهي حالة الذميين- وإنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر إلى بلاد المسلمين للعمل أو التجارة أو لشأن من الشؤون المباحة، بإذنٍ من ولي الأمر فيها، ويكون حضوره مؤقتًا بانتهاء العمل أو قضاء المصلحة التي يبتغيها. لقد وفرت الشريعة الإسلامية حماية للمستأمن الذي يفد إلى بلاد الإسلام لشأن من الشؤون المباحة، ويدخل إلى ديارنا بإذن منّا، ومعرفتنا بحقيقة أمره، واطمئناننا إلى مقاصده المباحة… إذ يجوز للإمام أو نائبه أن يعطي الأمان لغير المسلمين على أنفسهم وأموالهم لمصلحة تعود على المسلمين وهو أمر واقع في العصر الحديث.

وإذا وقع الأمان بشروطه، وجب على المسلمين جميعًا الوفاء به للمؤمَّنين، فلا يجوز أسرهم ولا أخذ شيء من مالهم إلا بإذن شرعي، ولا أذيتهم بغير وجه شرعي. وإذا مات المؤمَّن في دار الإسلام فماله لوارثه إن كان معه، وإذا لم يكن وارثه معه أُرسل إليه المال. وعقد الأمان في الشريعة الإسلامية يمثل التسامح الإسلامي على حقيقته، في التعامل مع غير المسلمين من خلال علاقات متنوعة مع الناس جميعًا. وفي الوقت الحاضر، يتم إعطاء الأجنبي إذنًا بالدخول والإقامة بحسب الأنظمة المتبعة في الدول الإسلامية لدخول الأجانب.

ومتى منح الإمام الأمانَ لغير المسلم، وجب على المسلمين جميعًا احترامه وعدم انتهاكه، لأن الإمام أو نائبه، صاحب الحق في ذلك، فيثبت الأمن للمستأمَن على حياته وماله وعرضه، ويحرم على المسلم التعرض له في نفسه وماله وولده، ويسري الأمان إلى الزوجة. فتجب لهم العصمة في دار الإسلام، وتجري على المستأمنين أحكام الإسلام في أثناء إقامتهم -في حدود ما خوطب به المسلمون من أحكام الشريعة- وإن كان ذلك لا يجعلهم من أهل دار الإسلام، لأنهم يقضون حاجة مؤقتة ثم يرجعون إلى ديارهم.

وثيقة المدينة دستور النبي لدولته

إذن لم يقتصر الأمن على المسلمين، بل إن غير المسلمين كان لهم نصيبهم من الأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وقد تم ذلك بـ”الصحيفة” التي كانت أول وثيقة تنظِّم أمور المجتمع المسلم وعلاقات أفراده من المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب.

ومن أهم مبادئ تلك الصحيفة أو الوثيقة، أن ذمة الله واحدة، يجير على المسلمين أدناهم، والمسلمون بعضهم موَالي بعض من دون الناس، وأن من تبع المؤمنين من يهود، فإن لهم النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. ونظمت الوثيقة النبوية التعاون بين المسلمين وغيرهم، فينفق اليهود مع المؤمنين ما داموا محاربين، مع أن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم. وأوردت الوثيقة أنه لا يخرج أحد من يهود المدينة إلا بإذن الرسول -صلى الله عليه وسلّم-. وأن بين أهلها من اليهود والمسلمين النصر على من دَاهم يثرب، ومعنى ذلك التعاون في رد العدوان عن الجميع. وثمة نص واضح وصريح في الوثيقة يتعلق بالأمن، وهو من بين بنودها العامة: “من خرج؛ آمن، ومن قعد بالمدينة؛ آمن.. إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله”. وبمقتضى هذا الشرط في العهد النبوي، يتحقق الأمن لجميع المسلمين وغير المسلمين، في خروجهم وبقائهم من غير ظلم ولا إثم. كان هذا هو أمن المدينة عند قيام الدولة الإسلامية فيها، وقد أمن المسلمون على دينهم، وعلى أنفسهم وأعراضهم وأموالهم. وكان هذا الأمن حقًّا أيضًا لغير المسلمين من أهل الكتاب على دينهم ودنياهم، ما داموا مسالمين، وكانت أنفسهم وأعراضهم وأموالهم مصونة بذمة الإسلام، حتى ظهر الإثم والغدر بالعهود منهم، وهددوا أمن المسلمين في المدينة بمعاونة العدو، ونشروا الأكاذيب عن المسلمين، ولم يكن بد من حفظ أمن المجتمع المسلم بطردهم، وإنفاذ حكم الله فيهم طائفة بعد أخرى.
الحفاظ على الأمن من الضرورات الخمس

يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها. إن الأمن الفردي -أي أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه- ضد أي اعتداء يقع عليه من غيره، مكفول عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية التي تحمي الأنفس والأعراض والأموال.

فالعدوان كما يقع من فرد على آخر داخل المجتمع المسلم، قد يقع على المجتمع المسلم جُمْلةً من مجتمع آخر، وقد تتعدد صور هذا العدوان الذي يهدد الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم.

ومن واجب ولي الأمر أن ينهض بحماية المسلمين ومصالحهم ومجتمعهم من كل صور التهديد والعدوان، حتى يتحقق للمجتمع المسلم أمنه في جميع مجالات حياته. وفي التنظيم الدولي الحديث، حيث يكون المجتمع في رعاية دولة لها حدودها ولها سيادتها على إقليمها، يكون الأمن الوطني من أول مهام ولي أمر المسلمين في الدولة الإسلامية. وتكفل المواثيق الدولية -ومنها ميثاق الأمم المتحدة- لكل دولة الحق في العيش آمنة داخل حدودها، والحقَّ في رد العدوان عنها إذا وقع من دولة أخرى أو جماعة مسلحة، ولا يَسمح ميثاقُ الأمم المتحدة بالعدوان ولا بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولا بالأعمال العدوانية الموجهة ضد أي دولة، ويعطي الحقَّ في رد العدوان عن الدولة المعتدى عليها بكل الوسائل، بما في ذلك تعاون الدول الأخرى عسكريًّا في التصدي للعدوان الذي يقع على دولة عضو في الأمم المتحدة طبقًا للفصل السابع من الميثاق. ولكن المواثيق الدولية وحدها لا تكفي من وجهة النظر الإسلامية، فلابد أن يهيئ وليُّ الأمر أسباب القوة التي تحمي الدولة الإسلامية وأفرادها، وتمنع انتهاك حدودها أو الإضرار بمصالحها، وهذا ما أوجبه الله تعالى على الدولة المسلمة والمجتمع المسلم بقوله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)(الأنفال:60). فالأمن الوطني مسؤولية إسلامية.

وهذه الأهمية البالغة للأمن في المجتمع المسلم، وكون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى النمو والارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة لله ورسوله، وكانت عقوبته من أشد الحدود صرامة وحسمًا في الإسلام، إذ إن عقوبة هذا الإخلال الخطير، تتراوح بين القتل والصلب، وبين قطع الأطراف والنفي، وكلها عقوبات جسمية جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة، وللردع عند ارتكابها، فهي لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها، وإلى العقاب العادل عند وقوعها.

الأمن الاجتماعي عافية بنيان المجتمع

ويحتاج المجتمع المسلم إلى الأمن الاجتماعي وهو تعبير حديث، لكنه يعبر عن معنى إسلامي أصيل، وهو أن يكون المجتمع المسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. ونجد هذا المعنى واضحًا أشد الوضوح في الحديث الشريف: “مَثَل المسلمين في توادّهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى” (متفق عليه).

وقد أمر الله المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى

ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة:2)، ويقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات:10). وهذه الأخوة التي جعلها الله بين المؤمنين قرينة الولاية المتبادلة بينهم: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(التوبة:71)، وقد تضمن تشريع الإسلام ما يكفل قيام الأخوة والولاية المتبادلة.

الأمن الاجتماعي على سُلَّم أولويات الدعوة والسعي

إن الأمن مطلب للإنسان الذي كرمه الله، وهو نعمة تعمّ الناس جميعًا في المجتمع المسلم. فأحكام الإسلام المنزلة من الله تعالى، والمبينة بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلّم-، تدل على أن أمن غير المسلم -الذي يعيش في المجتمع المسلم- على نفسه وماله وعرضه، مضمون ما دام ملتزمًا بما تقضي به الأحكام، لا يُمس إلا بحق. وهي أحكام واضحة أوجبها الإسلام، ولم توجبها المصالح المتبادلة بين المسلمين وغير المسلمين، ولم تلزمنا بها قواعد القانون الدولي أو المعاهدات بين الدول الإسلامية وغيرها؛ لأن هذه الأحكام جانب مهم من شريعة الإسلام الكاملة، يجب على الدولة الإسلامية تطبيقه والعمل به، فهو واجب ديني قبل أن يكون مصلحة سياسية أو التزامًا دوليًّا.

إن الإسلام يقيم مجتمعًا إنسانيًّا راقيًا تحكمه شريعة إلهية، وهو لذلك يقيم العلاقة بين الناس جميعًا على أسس وطيدة من العدل والبر والرحمة. ونجد -كما سبق معنا- في القرآن الكريم آيات عديدة، وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة، تؤسس كلها لكرامة الإنسان من حيث كونه إنسانًا، وتقرر كلها حق البشر -على اختلاف الأجناس والألوان والمذاهب والعقائد- في حياة آمنة مستقرة. فلنجعلْ هذا المنزعَ الإنساني النبيل في صدارة خطابنا الإسلامي في هذا الزمان، ولنجعله على رأس أولويات دعوتنا وسعينا لإصلاح مجتمعاتنا… والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به جل وعلا.

(*) رئيس مجمع الفقه الإسلامي / السودان.