أنا معدة عبد الله

حبيبي عبد الله!..
عندما كلمك جاري، القلبُ الموجود فوقي، وعرّفك بنفسه سمعت ما قاله لك، وربما ساورك بعض الغضب بسبب حديثه، لكن أعتقد أن كل كلامه لصالحك أنت. فهو من جانبٍ قدّم لك نصائح تهمّ صحتك، ومن جانب آخر وجّه نظرك إلى الخالق عز وجل الذي وهب لك القلب ففتح بذلك آفاق تفكيرك. وقد أعجبني كلامه جدًّا، وسررت منه، لذا ساورتني الرغبة -أنا المعدة- للتحدث إليك والتسامر معك. وأعتقد أنك إن أصخت السمع فستستفيد من الناحيتين المادية والمعنوية.

أين مكاني؟

أنا أشغل مكانًا في القسم العلويّ من تجويف البطن وتحت التجويف الصدري. ولكي لا يتولد أي ضرر بيني وبين جارَيّ الموجودَين فوقي، القلب والرئة، فقد وضع خالقنا ستاراً داخل القفص الصدري، أي وضعهما داخل قفص عظميّ. ولكن لا تتصور أنني غير مصانة، فقد صان ربنا كل واحد منا بالشكل المناسب. فلو كان هناك سقف من العظام فوقي لوجدتَ صعوبة في الأكل والشرب. ثم نظرًا لعجزي آنذاك من خزن ما تأكله، كنتَ تضطر آنذاك لتناول وجبات طعام بكمّيات قليلة ولكن بشكل دائم. ولكن نظراً لوجودي في تجويف ذي جدران مرنة جدّاً -مثل التجويف البطني- فإنني أستطيع الاحتفاظ بما تأكله وتشربه حتى إتمام عملية الهضم. وهكذا تستطيع تناول الطعام في وجبات معينة للتفرغ بعدها لمشاغلك الأخرى.
قد يبدو شكلي العام بسيطًا جدًّا في نظرك. لذا ترى بعض من يتكلم عني يقول مهونًا من شأني بأنني عضو يشبه الكيس. وإذا أردت أن تعرف قدري ومقدار أهميتي، فاسأل من أصيب بالقرحة أو بسرطان المعدة. ذلك لأنني إن تعطلتُ أو أصابني الخلل أو المرض ضاقت أمامك الدنيا، فكل شربة ماء أو لقمة طعام ستكون عذابًا لك، فلا تجد طعمًا لحياتك ولا لذة.

دماغ ثانٍ

تتألف جدراني التي تشبه الكيس ظاهريا من أربع طبقات من أنسجة خاصة. تتكون الطبقة الخارجية من نسيج قوي، وتليها طبقات من العضلات العرضية والطولية، تليها طبقة رخوة تحتوي على الغدد، والطبقةُ الأخيرة طبقة داخلية رقيقة من نسيج “ظهاري” (Epithelium). طبعاً لا يجوز أن ننسى شبكة الشرايين الدمَوية التي تغذي جدران هذه الطبقات العضلية، وكذلك شبكة الألياف العصبية التي تنتشر في كل أجزائها.
وشبكة الألياف العصبية هذه التي أمتلكها معقّدة إلى درجةٍ مذهلة. فأنا أملك شبكة كبيرة من الأعصاب بحيث أكون مطلعة على ما يجري في جميع أنحاء الجسم وكأنني دماغ ثانٍ. فلو أصيبتْ قدمُك بشوكة، أو لو حزنتَ لأمرٍ ما، أو فرحت كثيراً وضحكت تأثّرتُ بكل هذه الأمور. وهذه الشبكة من الأعصاب حساسة جدّاً بحيث يمكن أن تؤثر على حركتي وعلى إفرازات غددي، وقد تعطلها أو تخرّبها.
عمل الشبكة العصبية
بفضل هذه الشبكة العصبية أبدأ بالسيطرة على حركتِي وعلى إفرازات غددي بدءً من قيامك بشم رائحة الطعام والتهيّؤ للأكل، وهكذا أُنقذك من أي ضيق بعد تناول الطعام.
كذلك فأنا سهلة القياد، إذ تستطيع -إن أردتَ وعقدتَ العزم- أن تروّضني لطراز جديد من الحياة. فهناك من تعوّد على تناول ثلاث وجَبات من الطعام يوميّاً، وبعضهم على وجبتَين، وآخرون على وجبةٍ واحدة فقط. أمّا نصيحتي لك فهي الاعتياد على وجبتين في اليوم.
ولكي تتجزأ الأغذية التي تتناولها ويتمّ امتصاصها من قِبل أمعائك وتكون جزءً من جسدك لا بد أن تمر بي. لأنه لا تتم تجزئةٌ كيميائيّة كبيرة في الفم: كلّ ما يحصل هو تفتّت الطعام إلى قطع صغيرة بطريقة ميكانيكية وتحوّلها إلى قِوام لين يمكن قبوله من قِبلي. فإن استعجلت في الأكل وبلعت الطعام دون مضغٍ ودون تليين كافيَين أتْعبتَني جدّاً. كما أن اللُّقَم الآتية إليّ بهذا الشكل قد تقوم بخدش جدران قناة المريء، وقد تُدميها. والأفضل هو مضْغ كل لقمة ثلاثين مرة. ولكن معظم الناس لا يفعلون هذا مع الأسف، فبعد مضغٍ لمرتين أو ثلاث يرسلون الطعام لي. وهم لا يُحسون بأنهم شبعوا، لذا يأكلون كثيراً فيُخلّون بتوازني.
وأما إذا أكلتَ ببطء فإني فورَ أخذك حاجتك من الطعام سأقوم بإخبار المركز المختصّ في الدماغ بذلك ليقوم بقطع شهيتك.
وهكذا تكون قد وفّرت عليّ التعب من جهة، وتجنبتَ الإسراف من جهة أخرى. وعندما تأكل بسرعة أكون قد امتلأتُ قبل أن أجد الفرصة لإرسال الجزئيات التي تبعث إشارات الشبع، فلا يبقى عندي مكان لا للماء ولا للهواء.

أنواع الخلايا

هناك ثلاثة أنواع من الخلايا في الغشاء المخاطي الذي يبطنني، أي في الغشاء الذي يكون على تماس مع الأغذية. النوع الأول منها يقوم بإفراز حامض الهيدركلوريد “HCI” القوي جدّاً.
يقوم هذا الحامض الذي يستطيع إذابة حتّى الحجر بتجزئة جميع البروتينات ومنها اللحم، وبقَتل الجراثيم الداخلة مع الأغذية والسوائل. ولو لم يوجد هذا الحامض لَما نشطت غدد إفراز أنزيم مادة البَبْسين “Pepsinogen”. وهذا الأنزيم لا يعمل وحده، لذا لا يُفرز عندما لا يوجد طعام في جوفي. وعندما يبدأ الطعام بالدخول إليّ يبدأ بإفراز هذه المادة مع إفراز حامض الهيدوكلوريد معًا.
وقد تتساءل: ألا تتضرّر جُدراني بمثل هذا الحامض القوي وهذا الأنزيم الهاضم للبروتينات؟ الجواب: لا يقع مثل هذا الضرر لأن الخالق الرحيم يغطي -بآلية دقيقة- جدراني بشكل مؤقت بمادة واقية. والخلايا التي تفرز السائل المخاطي الواقي تقوم بعملها هذا قبل إفراز الحامض وقبل إفراز الأنزيم المفتِّت للبروتينات، أي يعمل هذا السائل المخاطي عمل طبقة الجص أو الإسمنت التي تَصون الجدران المبنية من الطابوق من التأثيرات الخارجية. ومع هذا فبتأثير الحامض والأنزيم أضحّي كل يوم بـ(1.5) مليون خلية. وهذا يعني ضياع طبقتي الداخلية كل ثلاثة أيام. ولكن أحمد الله الذي أعطاني قدرة كبيرة على تجديد خلاياي حيث أستطيع تجديد طبقتي الداخلية بخلايا جديدة.

متى يحصل العطب

أحيانا يحصل عطب أو خلل في إفراز هذه المادة الواقية مما يؤدي إلى تآكل خلايا الجدران بتأثير الحامض والأنزيم، ويبدأ نضْح الدم من الشرايين الدموية الموجودة في الطبقة الداخلية. وهذا يشير إلى إصابتي بـ”القرحة”، أي ظهور الجروح وبدء النـزيف في جدراني.
ولا تظهر هذه القرحة عند الأشخاص غير الحسّاسين، لذا فلا تتأثر المنظومة العصبية عندهم. أما الأشخاص الحساسون فنظرًا لكونهم يتأثرون كثيرًا فإن منظومة الإفراز تتأثر عندهم بسرعة، لذا يتعرض هؤلاء للإصابة بالقرحة بسهولة.
لذا فإن من الأصوب العيش باعتدال وتعقل دون الانحراف إلى القلق والخوف والحزن الشديد أو الفرح الشديد، أي مواجهة الأحداث بصبر. فإن راعيتَ العيش بتوازن فلن تتسبب في تخريب نظام الإفراز عندي.
أنت لا تستطيع تحريك العضلات التي تشكل نسبة كبيرة من سمك جدراني مثلما تحرك مثلا عضلات يديك أو رجليك. تعمل هذه العضلات اللاَّإرادية في هذه المنظومة العصبية دون أن تشعر أنت بها، فهي تتلقى أوامرها وتعمل دون إرادة أو شعور منك.
ومن أهم خواص هذه العضلات أنها تعمل ببطء، ولكنها لا تتعب بسرعة. ونظرًا لأنها قابلة للتمدد بسهولة، فإنك إن لم تكن متوازنا في الأكل تمددتْ وبرزت إلى الخارج مثلما تبرز شُرفة البناية.
إن نفسك المائلة إلى الإسراف والجشع تضرّني كثيرًا، وتجعلني أداة ضارة لك. إذن فعليك ألاّ تستجيب لألاعيب النفس، وتكون متوازنًا في طعامك وشرابك، وإلا حوّلتَني إلى مخزن نُفايات وجلبتَ الضرر والبلاء على نفسك.

الأمور التي أكرهها

أودّ أن أعلمك ببعض الأمور التي أكرهها، وعلى رأسها المأكولات والمشروبات الحارة جدّاً والباردة جداً. فكلٌّ منهما يخرّب عمل أنزيماتي ويعرقل عملها.
وأفضل درجة حرارة تعمل فيها هذه الأنزيمات هي درجة الحرارة القريبة من حرارة الجسم، أي بدرجة حرارة 36-37 مئوية.
إن هناك الآن شبهات قوية من أن الأطعمة الحارة جدّاً تسبب في إصابة خلاياي بالسرطان. أما الأشياء الباردة جدّاً فإن تلُكْها أو تُبقِها فترة في فمك لتدفئتها قليلا ثم تبلعها تكون قد حفظتني من الإصابة بالبرد، لأنني إن أصبتُ بالبرد تقلصتْ عضلاتي وفقدتُ توازني فلا أستطيع أداء مهمتي.
أقوم بمخْض وتحريك الأطعمة التي تأتيني من البلعوم وأعالجها بالأنزيمات حتى تتحول إلى حالة سائلة، ثم أدفعها -بعد أن تتحول إلى القوام المطلوب- تدريجيًّا نحو الأمعاء الموجودة تحتي والمسماة بـ”الإثنَي عشر”.
فأنا أشبه الدنيا التي توصف بأنها دار ذات بابَين، لأنني لا أحتفظ بشيء في جَوفي، بل آخذ الأغذية من جهة، ثم أرسلها من جهة أخرى. لم يوضع بيني وبين قناة الطعام (البلعوم) أيّ باب، لذا أستطيع إن لزم الأمر أن أُرجع بعضَ ما يدخل إلى جوفي إلى الخارج بعملية التقيؤ.
وقد يبدو التقيّؤ في الوهلة الأولى شيئًا غير مستحسن، لذا فقد تتساءل: لماذا لم يوضع باب أو حاجز هنا؟ ولو كان ما تقوله صحيحًا فأنا أسألك: ماذا ستكون حالك إن تناولت عن طريق الخطأ سُمًّا أو غذاءً فاسدًا أو متعفنًا؟ كان من الضروري آنذاك إما تنظيف معدتك أو إجراء عملية لك حياتك. وقد تموت قبل إجراء تلك العملية. بينما أستطيع بقابلية التقيؤ هذه إخراج ما أشعر بضرره، ويمكن كذلك مدّ خرطوم إلى جوفي لتنظيفه.
فهل فهمت الآن لماذا لم يوضع باب أو حاجز بيني وبين القسم العلوي فيّ؟ وعلى العكس من هذا فقد وضع باب بيني و بين الأمعاء لكي لا ترجع الأطعمة الموجودة في الأمعاء إليّ مرة أخرى، ولكي لا يختلّ الجوّ الحامضيّ الموجود عندي. لأن الأنزيمات التي تعمل في الأمعاء ذات طبيعة قاعدية أو حيادية وتعمل في وسط قاعدي. والجو الحامضي الموجود عندي يخرب عمل أنزيمات الأمعاء ويخل به. فلو تدفقت إليّ أملاح كيس الصفراء المفرزة من الكبد أو أنزيمات البنكرياس، لاختلت الأمور عندي تمامًا، وقد تم تهيئة جو مناسب في الأمعاء لظروف عمل تلك الأنزيمات والإفرازات.

اسمعْ نصيحتي

عندي لك توصية أخرى يا عبد الله!.. إياك أن تمارس الرياضة وجوفي مملوء. ذلك لأن طبقة العضلات السميكة لجدراني تحتاج إلى كمية كبيرة من الدم، لذا يتم سحب مقدار كبير من الدماء من الأجزاء الأخرى من الجسم ويُرسل إليّ. فإن مارست الرياضة في هذا الوقت فلن تتم تغذية الأجزاء الأخرى من جسمك بالدم بشكل كافٍ، وهكذا سيتعب قلبك.
سأفشي لك سرّاً آخر: أنت تقترف خطأ كبيرًا كلما تَزيد من إرسال الطعام إليّ دون مبالاة بأي شيء ودون الاهتمام بالحلال والحرام؛ لأن صحتك الجسدية وصحة حياتك الروحية تتناسب عكسيًّا مع حجمي. فإن زدتَ من حجمي زاد حجم الدهون المتراكمة في قلبك وفي شرايينك، وتَعرقَل عملُه وعملها. ويقول العديد من أهل العرفان بأن الأكل الكثير يؤدي إلى صدأ الأحاسيس الروحية وضعفها. والحقيقة أن الإنسان يكفيه ما يقيم به صُلبه. لذا فإن لم تصبح أسيرًا للذة الأكل، وتذكّرت صاحب النعم والأفضال سبحانه وتعالى وبقيت في دائرة الحلال، وأكلتَ ما يكفيك مع أداء الشكر… كنتُ أنا مرتاحة هنا وأنت مرتاحًا في الدار الآخرة. بالنسبة لي لا فرق بين قطعة حلوى تجتاز فمك إليّ وقطعة خبز، لذا فكن مراقبًا لما يدخل في فمك لكي تتجنب الإسراف وتراكم الشحم والسمنة.

المعدة بيت الداء

قد يضحك بعضهم من هذه النصائح الأخيرة ويقولون: “لذّة الأكل من نعيم الحياة.. كما يجب أن نتغذى جيداً”، لذا فلا يهتمّون ولا يلتفتون إليها. ولكن الطبّ الحديث والمختصّين بعلم الأغذية وصلوا ومنذ سنوات عديدة إلى النتيجة نفسها التي ذكرتُها لك، حيث يقولون الآن: “أجل!.. أنتِ محقّة!.. حَسْبُ ابن آدم لُقَيمات يقمن صُلبه”.
إن ملء المعدة سبب مهم للعديد من الأمراض. إذن فإن كان الأكل طريقاً للذة فهو طريق إلى الأمراض أيضًا.. إذن فالمهم والضروري هو التوازن في التغذية. فهذا هو ما يوصي به العلم الحديث.
وبفضل التغيير الذي تقوم به في السَّنَة شهرًا واحداً (رمضان المبارك) في نظام الأكل فأنا وجميعُ مساعديّ نقوم بتجديد أنفسنا، وكأننا دخلنا في مخيّم أو في دورة تدريب. وهذه حاجة ضرورية لنا لندخل موسماً جديداً بعد نيل الراحة اللازمة لنا. وقريبًا سيحلّ موعد المخيم من جديد، لذا فأنا أنتظر حلول هذا الموعد لآخذ قسطا من الراحة.
عزيزي عبد الله!
أنت في حاجة إليّ للحصول على الغذاء وعلى الطاقة اللازمة، لأنني إن لم أكن موجودة لا يعمل حتى قلبُك، كما يجب أخذ الغذاء الكافي لتأمين الطاقة لكل عملية بيولوجية. فأنا سَيف ذو حدَّين. يجب ألا تهملني كثيراً، وألا تدلّلني أيضاً كثيراً. وأنا أنتظر منك مثل هذا التصرف المتوازن.
___________________
(*) الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.