أشواق رمضان في ملتقى النيلين

بقلم: أحمد عبد العزيز الكاروري

السودان بلد مسلم بغالبية سكانه حيث تبلغ نسبة المسلمين فيه قرابة 96% من إجمالي سكانه، ويهتمون كثيراً بالشعائر الدينية ولعلها من تقوى القلوب.

من مميزات رمضان في السودان التعامل الإنساني الراقي بين المسلمين وغير المسلمين حيث تتم دعوتهم لموائد الإفطار سواء بالطرقات أو بغيرها.

ويتميز الشهر الفضيل رمضان بوضع خاص جدًا فتبدأ التهيئة له قبل أشهر عديدة، وتتمثل مظاهر هذه الاستقبالات على سبيل المثال لا الحصر بإعادة ترميم وطلاء المساجد وإنارتها بالخارج ومراجعة أجهزة الصوت وما إلى ذلك، لتظل عامرة حتى يتم عمل ملحق لبعض المساجد.
وأحيانا تغلق الطرق لكثرة المصلين خاصة في صلاة القيام (التراويح)، ويعمر النهار حلقات التلاوة والتفسير ودروس العلم المختلفة.
ولأن رمضان في السودان يستقبل بحفاوة كبيرة فيتم استقباله بمواكب مهيبة درج السودانيون على مسيرتها بعدة مناطق وكأنهم في موكب استقبال أهم الملوك أو السلاطين، تعبيرا عن فرحتهم بالشهر الفضيل، وهي أشبه بمسيرات عسكرية أو موسيقية حيث يعلو أصوات السائرين بالأناشيد الدينية تصحبها الدفوف في مشهد مهيب وجميل.

كرتونة الصائم 

ويمتاز الطعام في رمضان بالسودان بأهم أكلة وهي العصيدة بالملاح.

تنشط في الأيام القليلة قبل رمضان حركة طوعية من الجمعيات الأهلية والمنظمات لجمع الدعم من الأغنياء بالداخل والخارج لترتيب (كرتونة الصائم) وفيها أهم المستلزمات التي تحتاجها الأسرة من زيت ودقيق وفول وسكر وبلح وأرز وعدس وأنواع العصير المحلي مثل الكركدي والتبلدي، ويتم توزيع ما يفوق المليون كرتونة على الفقراء والمساكين وأسر الأيتام بالمناطق المختلفة ومعسكرات النازحين.

الحلو مر 

كذلك تملأ الطرقات رائحة خاصة وجميلة يعرف بها السودانيين دون غيرهم وهي رائحة (الأبري الأحمر) فهناك (آبري أبيض) وهو خليط من مواد مختلفة كالذرة والحلبة أحيانا حيث ترش بالماء حتى تستنبت جذورها ثم تجفف وتطحن مع بهارات عديدة مثل (محريب وكمون ) عملها بطريقة معينة لينتج منها عصير مغذي ومميز بنكهة وطعم جميل، ويسمونه أيضًا (الحلو مر)، له ميزة كبيرة وهي إرواء العطش خاصة أن نهار رمضان في السودان مرتفع الحرارة وقد تصل أحيانا لـ40 درجة مئوية، ويقوم السودانيين بإرسال هذا العصير -المجفف بشكل طبقات بعد إنجاضها (طهي) على النار- لكل أهاليهم وأصدقائهم بخارج السودان، فعرفت العديد الشعوب هذا الشراب المميز من خلال الجاليات السودانية بالاغتراب.

صينية الضره 

وأحيانا تغلق الطرق لكثرة المصلين خاصة في صلاة القيام (التراويح)، ويعمر النهار حلقات التلاوة والتفسير ودروس العلم المختلفة.

من أبرز مظاهر رمضان في السودان (صينية الضره) وهي عبادة درج الناس عليها ووثقتها العديد من الفضائيات، ويعد فيها كل بيت طعام يحمل على (صينية) على الطرقات، فيتجمع أهل كل منطقة بغرض الالتقاء اليومي وتفقد أحوال البعض بشكل غير مباشر إضافة لاستهداف عابري الطريق مع اقتراب وقت الإفطار، ويحدث أن يجبر بعض السائرين أو الراكبين لتناول الإفطار مع الجماعة، وتبسط الموائد طوال شهر رمضان تجمع الكبار والشباب والصغار وبعدها يعمد البعض لترتيب الطعام في موائد لداخليات الطلبة وبيوت الفقراء وحتى الحيوان يجد حظة من موائد الرحمن هذه، ولا يجد أي شخص حرج في النزول من السيارات الخاصة والعامة وتناول الإفطار حيث جاء بهم الطريق، حيث تشيع روح الود ويزداد التلاحم وتقوى الروابط الاجتماعية بين الجميع بلا استثناء.
وتعرف بعض المناطق في السودان بمواقف معينة حيث يجبرون المارة والمسرعين بإغلاق الطرق عمدا حتى ينزل العابرون ليفطروا ثم يفتحوا الطريق مرة أخرى بعض الإفطار.
وبالمقابل تتهادى النساء أنواع الطعام بمختلف فئاتهم وطبقاتهم والجميل أن الفقراء يهدون الأغنياء فيقبلونها ويهدونهم بالمقابل ووتواصل الصلات بأشكال مختلفة ومتنوعة في شهر تفيض فيه الجوانب الروحية حتى لتكاد تلمسها في كل شيء.
فيتحول الجميع في رمضان إلى أكثر من أهل وكأن بين الغرباء إلفة قديمة، ويتجاوز فيها البعض خلافاتهم ويقسمون على بعضهم بتناول الإفطار من طعامهم ويحرصون على تطييب الخواطر وعودة العلاقات إلى سابق عهدها من ود وصلة وتراحم.

العصيدة 

ويمتاز الطعام في رمضان بالسودان بأهم أكلة وهي العصيدة بالملاح، والعصيدة طحين ذرة يضاف له الزبادي وبهارات مثل الكمون والزعتر والثوم وملعقة سمن وملح وماء، وتضاف للعصيدة أنواع مختلفة من الملاح ، وتمتاز العصيدة بغناها وفائدتها فضلا عن سرعة تحضيرها.
وتنقلب الساعة البيولوجية تماما لدى السودانيين، حيث يسهرون حتى الفجر فتقل الحركة إلا لضرورات بالنهار وينقلب الليل بعد التراويح إلى حركة دائبة بكل المناطق وتتزايد النشاطات بشكل واضح.

ليلة القدر

هذه الليلة التي يترقبها أهل السودان بشكل خاص حيث يكون غالب التذكير والدعاء حول بلوغها وذكر فضلها، ويكون غالب قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان بشكل جماعي في المساجد وقليل بالمنازل مع الأسر، وتبدأ فيه حركة أخرى من توفير طعام السحور وشراب (الحلو مر) والأرز باللبن، وتصلي بعض المساجد القيام عبر الميكروفونات ويتوزع كبار المقرئين على المساجد الكبيرة.
من مميزات رمضان في السودان التعامل الإنساني الراقي بين المسلمين وغير المسلمين حيث تتم دعوتهم لموائد الإفطار سواء بالطرقات أو بغيرها، ويتقبلون التهاني بقدوم رمضان بعبارة تكاد تغلب على السلام وهي (رمضان كريم) – فيرد الآخر (الله أكرم).
ويبدأ الناس بتفقد الجيران والأقارب لتحديد من توزع لهم زكاة الفطر عبر أهل الحل والعقد بالأحياء، وتوزع بطريقتين الحبوب والمال، كذلك تنشط الجمعيات الأهلية بتوفير ملابس العيد في نهايات الشهر الفضيل لتوزيعها على فقراء ومساكين المنطقة.

الأطفال في رمضان السودان

للجد والجدة مكانة خاصة في رمضان حيث يحرص الأبناء والبنات على الإفطار باستمرار مع جد وجدة أبنائهم. وتبدأ الأسر السودانية بتعليم أطفالهم الصيام تدريجيًا.

للجد والجدة مكانة خاصة في رمضان حيث يحرص الأبناء والبنات على الإفطار باستمرار مع جد وجدة أبنائهم وتمسى الجدة بـ(حبوبة) وتحرص الحبوبات على تجميع الأحفاد وسر قصص السيرة النبوية والمواقف المهمة التي حدثت في رمضان.
وتبدأ الأسر السودانية بتعليم أطفالهم الصيام تدريجيًا ويبدأ التشجيع بتقديم الهدايا لهم بآخر النهار ومدحهم والثناء عليهم وذكر فوائد الصيام الروحية والصحية وقبلها حب الله للصائمين، فيتبارى الأطفال في الصوم حتى يشفق عليهم الأهل أحيانا فيجبرونهم على الإفطار عند تردي حالة بعضهم.
ويقوم الأطفال بدور كبير في خدمة أسرهم والضيوف ويسقون الناس في الموائد ويقومون على خدمتهم باستمرار ليتعلموا الشمائل الحميدة مثل الكرم والصبر وغير ذلك.

السحور

من أبرز مظاهر رمضان في السودان هي تحرك الشباب بالأحياء وضرب الدفوف وتنبيه الناس باقتراب وقت السحور بعبارة معروفة (يا صايم قوم اتسحر) ويكون السحور على شيء خفيف ويكون في الغالب شراب الحلو مر، أو الماء فقط، ويعمد البعض لتجهيز وجبة مشهورة وهي (الرقاق باللبن) والرقاق هو فطائر رقيقة جدا من طحين القمح مخلوطة بمواد عديدة، ويضاف لهذه الرقائق من الفطير الحليب الطازج ليشكل وجبة سحور يستعد بها الصائم لنهار رمضاني حافل بالحركة والحرارة.

رمضان فرصة الاقلاع عن العادات الضارة

يتجاوز الكثير من الرجال والشباب بعض العادات السيئة ويتعاونون في ذلك مثل الإقلاع عن التدخين وغيره ، فشهر رمضان يعتبر فرصة ثمينة لشد العزم على ترك تلك العادات الضارة.
روحانية عظيمة يستشعرها الزائر للسودان في رمضان وحميمية العلاقة والارتباط برمضان تصل حد البكاء في الأيام الأخيرة، وهناك كلمة شهيرة وهي (يا حليلك يا رمضان) ما أن يقولها أحدهم حتى يخيم الحزن ويشتد الحنين بين الحضور.
نسأل الله القبول من جميع المسلمين.