لسنا -بفضل الله- هواة كلام نلوكه ونثرثر به، ونطلقه على عواهنه بلا ضابط من منطق يضبطه، أو عقل يعقله.
وليس من هَمِّنا أنْ نكرر ما قيل ويقال دون إعمال فكر أو إنفاذ نظر، ولو فعلنا هذا لم نأتِ بجديد، ولم نَرَ ما يوجبُ -أصلاً- ميلاد “حراء”، لأنها لن تكون عندئذ سوى بضاعة كلامية مزجاة في سوق الكلام لا تضيف إلى المكتبة الاسلامية شيئاً جديداً، وهذا ما نربأ بأنفسنا أن نكونه ولـ”حراء” أن تكونه.
تؤمن هذه المجلة -وبكل تواضع- أنّ عندها شيئاً جديداً تريد قوله، وخطاباً دعوياً مبتكراً تخاطب قرّاءَها به، وهي -بكل تواضع مرةً أخرى- ترى أنها في سبيل إنشاء مدرسة فكرية إيمانية تسعى لريادة قوى المسلم الإدراكية إلى المستوى الذي يؤهله لمناقشة التحديات الثقافية والحضارية التي تحاصره من كل جانب. إنها -وبمعية القارئ الكريم- في طريق استقصاء المشيئة الكونية ومحاورة نواميس الكون والطبيعة التي بيدها مفتاح مغاليق كل ما أتت به حضارة اليوم من علوم وتقنيات.
وهذه المجلة ترى في العلم مطلقاً قوى إلهية محركة وهادية وإن كانت خافية غير ظاهرة ولكنها موجودة لا شك في وجودها. وكما لكل شيء روح {وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فللعلم روح كذلك. وروحه هو القوى التي أودعها الله فيه، ومن هنا جاء استعراض المجلة لقوى الطبيعة في جملة من المقالات والأبحاث، وذلك لتنشيط الحافز العلمي لدى المسلم، ولاستثارة فضوله الذهني.
وهذه المجلة ترى في الفوضى الفكرية والروحية -التي تكاد تكون منظمة ومتقصدة إلى حدٍ ما- من كبرى مشاكل هذه الأمة. وهي -أي المجلة- جادّةٌ في تشخيص هذه الظاهرة الغريبة وتحليلها وبيان أسبابها وأساليب معالجتها، وهي ترى أن هذه الفوضى عذاب تتجرعه الأمة، إلاّ أنه لا يُعدّ دليلاً على ضعفها، بل هو دليل على قوة فيها، إلاّ أنها مشتتة تنشد التوحيد النفسي ولكنها تخطئ الطريق إليه، فغدت حياتها تعباً مملاً بعد أنْ جابت تلك المتاهات المحيرة في البحث عن نفسها دون طائل.
فتوحدها النفسي والإيماني والفكري موجود في كتابِ ربها وهو القرآن الكريم، وسيظل الشقاء ملازماً لهذه الأمة حتى تعود إلى كتابها، هذا الكتاب الخالد الذي يفنى الوجود ولا يفنى، وتقوم قيامة العالم ويظلّ هو قائماً لا يحول ولا يحور.
وفي هذا المعنى تتحرك أقلام كبار أساتذتنا الذين تصدرت مقالاتهم صفحات هذه المجلة، ونحن في الوقت الذي نشكر لهؤلاء الأساتذة الأفاضل الذين ساهموا بأقلامهم بتحلية صفحات هذا العدد من المجلة نود أن نعتذر لأساتذتنا الآخرين الذين لم تتح لنتاجاتهم فرصة أن ترى النور في هذا العدد وقد يأتي دورهم في أعداد لاحقة.
كما نود أن نشير إلى أننا قد أنشأنا موقعاً على “الانترنت” باسم المجلة يمكن مراجعته لمن يريد.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.