حوار صحيفة اليوم السابع مع فتح الله كولن

١٤ يوليو ٢٠١٧، حاوره: هاشم الفخراني

مر عام على محاولة انقلاب 15 يوليو 2016، كيف تقيّمون ما حدث خلال تلك الفترة؟

شهدت تركيا العديد من حالات الظلم والانتهاكات الحقيقية للحقوق والحريات، ليس بعد ليلة الـ15 يوليو الماضي فقط بل قبل ذلك أيضًا. ولعل أسوأ فصول ذلك هو فقدان القضاء التركي تماماً لاستقلاليته، وسيطرة الحزب الحاكم عليه بالكلية اعتبارًا من عام 2014م. أما الممارسات القمعية والانتهاكات الحقوقية التي تعرض لها عشرات الآلاف من المدنيين في أعقاب أحداث 15 يوليو فقد بلغت حدا رهيبا لم يشهده التاريخ التركي من قبل. حتى إن بعض الصحف والجرائد هنا في أمريكا بدأت تقارن ما تشهده تركيا الحالية بسياسات مشاهير القمعيين من أمثال جوزيف ستالين وماو تسي تونج.

يتهمونك بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي دبرت ضد أردوغان.. فمن المسؤول عن الانقلاب؟

أدنت محاولة الانقلاب في الليلة نفسها، وأكدت أنني ليس لدى علاقة بما حدث. إلا أن أردوغان سارع إلى اتهامي بالوقوف وراء محاولة الانقلاب فور وقوع الأحداث وقبل إجراء التحقيقات. لكن هذه الاتهامات الجزافية بهذا الشكل ليست صحيحة سواء من الناحية الإسلامية أو من ناحية مبادئ القانون الدولي.

أنا لست في موضع يسمح لي باتهام هذا أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك بتدبير محاولة الانقلاب ولكن بحسب تقارير بعض المراقبين والمحللين، فإن مجموعة من القادة القوميين المتشدّدين العلمانيين دبروا تحركًا يعطى انطباعًا بأنه انقلاب ولكنه ليس انقلابًا حقيقيًا. كان الانقلاب مصمّمًا على مزاعم لتصفية عناصر الجيش من المتعاطفين معي، والتقليل من هيبة المؤسسة العسكرية في نظر الشعب، وتقوية قبضة أردوغان على الجيش، وإحلال مليشياته ضمن المؤسسة العسكرية.

في رأيي هذا الوصف والتفسير أكثر منطقية من المزاعم الأخرى المتعلقة بهذه المحاولة. غير أنني أعوذ بالله من أن أتَّهِم أحدًا دون دليل واضح. لذلك اقترحت على أردوغان أن يسمح بإجراء تحقيقات دولية لتقصى حقيقة ما حدث في تلك الليلة. وأعلنت أنني على استعداد لشراء تذكرة الطيران على حسابي الشخصي والذهاب إلى تركيا بنفسي في حال إدانتي عقب هذه التحقيقات. إلا أن طلبي قوبل بالرفض من طرفه.

كيف ترون قيادة أردوغان؟

ناقش الحقوقيون الوضع القانوني لشغل أردوغان منصب رئاسة الجمهورية نظرًا للمزاعم الواردة حول تزوير شهادته الجامعية. كما ادعى الآخرون أن الانتخابات كانت غير عادلة، وشهدت عديدًا من عمليات التلاعب في النتائج. إذا استثنينا مثل هذه الأمور، فإنني أكنُّ كل الاحترام والتقدير للشعب التركي واختياره مهما كان، حتى وإن اختار راعيا للأغنام في الجبال لقيادة البلاد. ولكنني لا أرى أن أردوغان يمتلك صفات كافية ليتولى منصب رئاسة الجمهورية.

وعند الحديث عن الفساد، لو كان أردوغان قد سمح باستمرار تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013، لأمكننا الاطلاع على الحقائق. إلا أنهم مع الأسف أغلقوا الملفات، وسيطروا على المؤسسة القضائية تحت عباءتهم السياسية. وبهذا يكون من المستحيل معرفة الحقائق عن طريق القضاء. أمَّا بخصوص الاستبداد فالرأي العام العالمي مجتمع على هذا الرأي. إذ بدأ يسلك طريقًا أكثر استبدادية عقب الانتخابات البرلمانية الثالثة في 2011. فهو الآن يسير في طريق أسوأ زعماء مستبدين عرفهم التاريخ.

ماذا يمكن أن يفعل الشعب التركي جراء حالة القمع التي يواجهها.. وهل يمكن مقاضاة أردوغان دوليا؟

يبدو للأسف أنه لم يبقَ أحد قادر على أن يقول له “كفى” فالذين حاولوا أن يقولوا ذلك هم الآن في السجون. أمَّا المعارضة فحالتها يرثى لها؛ إذ لم تتمكن من تفعيل الطرق الديمقراطية لإيقاف أردوغان عن استغلال صلاحياته الرئاسية، والدفاع عن الحقوق الدستورية للمواطنين الأبرياء المعرضين لشتى المظالم. بعض ممثلي المعارضة عملوا بمبدأ البراجماتية إزاء الأحداث لكنهم كانوا مصابين بقصر النظر؛ فقد سمحوا باستمرار الظلم لأنه لم يستهدفهم بل كان موجهًا ضد المجموعات التي لا يحبونها. ولم يضعوا في حسبانهم أن الدائرة ستدور والظلم سيطالهم أيضًا في يومٍ من الأيام. أمَّا الشعب التركي فلديه القدرة على التعبير عن استيائه وانزعاجه من ظلم أردوغان بالطرق الديمقراطية والسلمية. لكن يبدو أننا بحاجة إلى مزيد من الضحايا حتى يعمّ هذا الشعور ويتحول إلى صرخة مدوية. أمَّا الدعاء، فهو أحد واجباتنا تجاه الله تعالى، ولا يرتبط بأسباب وحالات وظروف معينة. إننا سنستمر في الدعاء، كما سنشجع الجميع على الدعاء، إلا أن التوسل بالأسباب هو واجب آخر يقتضيه احترامنا للقوانين والسنن التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الكون.

أعلنت بعض الدول العربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، كيف ترون العلاقات القطرية التركية عقب تلك الأحداث؟ وما رأيكم في إقامة تركيا قاعدة عسكرية في قطر؟

اسمح لي، لا أريد أن أتطرق إلى قضايا تمس دولاً أخرى.

رغم افتضاح سياسة أردوغان الداعمة لداعش والتنظيمات الإرهابية وتحريضه ضد مصر بإيوائه عناصر تنظيم الإخوان.. ما سرّ صمت الرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية على هذه السياسات؟

لم أقتنع قط أن أردوغان يكافح تنظيم “داعش” الإرهابي بصدق. فمن ناحية يتظاهر بأنه يقدم الدعم للتحالف الدولي من أجل القضاء على التنظيم ومن ناحية أخرى يقدم سلاحًا ومعدات عسكرية للتنظيمات والجماعات الإرهابية المتشددة والمتطرفة في شمال سوريا. فمقاتلو داعش يتلقون العلاج في المستشفيات التركية، ويتم إطلاق سراحهم دون إخضاعهم للتحقيق. وقد تناقلت وسائل الإعلام المحلية والرأي العام أخبار اعتقال واحتجاز ضباط الشرطة المتخصصين في مكافحة الإرهاب. ولكن أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لا ترغبان في اتخاذ تدابير جادة قدر الكفاية لأسباب مختلفة، منها موقع تركيا الاستراتيجي، واستضافتها للنازحين السوريين.

كما أعتقد أنهم يحاولون ابتزاز مصر والتدخل في شئونها من خلال استغلالهم لجماعة الإخوان.

ما مدى الظلم الواقع على حركة الخدمة من أردوغان ونظامه؟

لقد أغلقوا كل المؤسسات التي لها صلة قريبة أو بعيدة مع حركة الخدمة داخل تركيا، بل ونقلوا ملكياتها لآخرين. وفصلوا ما يزيد عن 120 ألف موظف. وألقوا ما يزيد عن 50 ألف مواطن في السجن؛ من بينهم عشرات الآلاف من السيدات، وأمهات مع أطفالهن الرضع. هؤلاء أناس متدينون ملتزمون بالحفاظ على صلواتهم، وعباداتهم. لا جريمة لهم سوى اتهامهم بالانتماء إلى حركة الخدمة. بل عدوا توفير منح دراسية للطلاب الفقراء جريمة يعاقب عليها القانون. فضلًا عن عمليات التعذيب والتنكيل التي تتم داخل السجون والتي باتت ظاهرة للجميع. تشهد تركيا حاليا أبشع أنواع الظلم الذي لم يمر عليها من قبل في ظل حكومة كهذه، بالإضافة إلى حملات التشويه المنظمة ضد حركة الخدمة التي ظلوا يمدحونها طيلة الـ12 سنة الأولى من حكمهم.

هل تتوقعون تكرار محاولة انقلاب ثانية للإطاحة بأردوغان؟

بغض النظر عن أن أحداث 15 يوليو الماضي انقلابٌ عسكري حقيقي أو مسرحية ممنهجة، فأنا لا أتوقع حدوث حراك عسكري جديد ضد أردوغان. ورغم كل التجاوزات والانتهاكات التي يمارسونها ضدنا لا أرحب بأي حراك من هذا النوع أبدًا، لم أكن يوما مؤيدًا لأي انقلاب عسكري سابق، ولن أكون، لذلك لا أؤيد أي إطاحة بأرودغان وحكومته بطرق غير ديمقراطية، بالإضافة إلى أن الإطاحة بهذا النظام الحالي بطرق غير ديمقراطية ستجعل منه ضحية، وستحول دون محاسبته ومحاكمته أمام القانون والعدالة على ما مارسه من ظلم حتى اليوم.

سبق أن اتهمك أردوغان بالنفاق.. وتطورات الاتهامات إلى أن وصلت لتهم بالوقوف وراء كيان إرهابي.. ما ردكم؟

لقد أثنى الرئيس أردوغان والرئيس السابق عبد الله جول ووزراء حزب العدالة والتنمية ونوابه مرارًا وتكرارًا على مؤسسات حركة الخدمة ومشروعاتها حتى نهاية عام 2013. لكن لما ظهر تورط أعضاء حكومة أردوغان فى وقائع فساد ورشوة عرفت إعلاميًّا بأحداث 17-25 ديسمبر 2013، تغيرت عندها اللغة التى كانوا يستخدمونها تجاه حركة الخدمة حتى ذلك الوقت. وبدلًا من مساعدة المؤسسات القضائية على القيام بمهامها، أغلقوا تلك القضايا وضمّوا جهاز القضاء كله تحت عباءتهم السياسية.

كان أردوغان يعتبر لقائي نعمة إلهية حتى مايو 2013 عندما كان رئيسًا للوزراء. لكن ماذا حدث بين ليلة وضحاها؟! المتطوعون في حركة الخدمة لم يتغيروا وكذلك لم تتغير الأعمال والأنشطة التي كانوا يقومون بها. لقد ساروا على الخطى نفسها التي بدأوها قبل ما يزيد عن 50 عاما، شيدوا المدارس، وقدموا منحًا دراسية للطلاب الفقراء، ووفروا خدمات طبية جيدة لأفراد المجتمع، ورفعوا راية المساعدات الإنسانية. ولكن الذي تغيّر هو أردوغان نفسه. لذلك يجب توجيه هذا السؤال له والتساؤل: ما الذي حدث بين ليلة وضحاها تحوّلتَ في وجه حركة الخدمة وقرّرت إطلاق حملات الإساءة والتشويه والافتراء ضدها بعد أن كنت ترصدها عن قرب وتتعاون معها وتثني على مجهوداتها طيلة 20 سنة؟

وبالرغم من كل هذا لم أنظر أنا وأصدقائي إلى أردوغان كعدوّ. وندعو الله أن يتدارك أخطاءه ويعود إلى المسار الديمقراطي الذي ساعد تركيا على قطع مسافات شاسعة للوصول إلى هذا المسار فى سنوات حكمه الأولى. ونريد منه أن يعتذر لعشرات الآلاف من المواطنين حيث تعرضوا للجور والظلم على يده.

كما أريد لفت انتباهكم إلى أن حكومة أردوغان اتهمتنا في وقت سابق بمعارضتنا لعملية “السلام الكردي” التي حاول تحقيقها من خلال ما سُمّي بـ”مفاوضات السلام”، وبعد فترة رأيناه يوجه لنا تهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي. وهكذا نراهم يسقطون في كم هائل من التناقضات غير المعقولة.

نظم مجموعة من الأتراك مظاهرات أمام البيت الأبيض وطالبوا بتسليمكم إلى تركيا.. من يمول ويدعم هذه التظاهرات؟ وما مدى الأمن الذي توفره الإدارة الأمريكية لكم على أرضها؟

أغلب المواطنين الأتراك المقيمين في أمريكا معارضون لحكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية. فالانتخابات الأخيرة خرجت لصالح أحزاب المعارضة التركية في وجه أردوغان. ولكن هناك أشخاص ومنظمات لديها علاقات مقربة من حزب العدالة والتنمية داخل أمريكا. وهناك احتمالات كبيرة للغاية أنهم يحصلون على دعم من الحكومة التركية.

أنا أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشرين سنة تقريبًا. والحكومة الأمريكية توفر الأمن سواء للمواطنين والمقيمين والزائرين دون تفريق بينهم. وأعتقد أن قوات الأمن تتابع محاولات اختطاف الأشخاص الذين لهم علاقة بحركة الخدمة في مختلف أنحاء العالم. أنا متأكد من أن المسؤولين هنا على يقظة تامة للتهديدات المحتملة التي نواجهها، وعلى علم بالوضع الذي نواجهه. ولديهم الإمكانيات الإلكترونية وغيرها اللازمة لتعقب أي تهديدات قد نتعرض لها. فقوات الأمن تعاملوا بحساسية مع المتظاهرين الذين جاؤوا في وقت سابق إلى مكان قريب من المخيم الذي نقيم فيه.

منذ متى وأنتم في الغربة وتعيشون في بنسلفاينا؟ وهل لا زلتم تريدون الذهاب إلى تركيا؟

أشتاق إلى وطني، وأتمنى أن أستطيع الذهاب إلى المكان الذي أحبه. ولكن لا أريد أن تكون زيارتي سببًا في مشاكل أخرى، ولن أتمكن من الذهاب ما دامت هذه الحكومة في السلطة.

هل لديكم رسالة توجهونها للشعبين التركي والعربي؟

القواسم الإنسانية والدينية المشتركة بين الشعبين التركي والعربي تدفع إلى مزيد من توثيق العلاقات والروابط بينهما، ومن ثم كان ينبغي استثمار هذه القواسم لمصلحة شعوب هذه المنطقة، لكننا مع الأسف نعيش أياما صعبة حالكة السواد، فالجغرافيا التي نتقاسمها تشهد حاليا اختلافات وظلمًا وفتنة لم يشهدها التاريخ من قبلُ. فمن ناحية تتفنن التنظيمات الإرهابية في استعراض وحشيتها وإلحاق أضرار بالغة بصورة الإسلام الناصعة في جميع أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى تستثمر بعض الأنظمة تواجد هذه التنظيمات الإرهابية في جغرافيتنا من أجل مصالحها الشخصية الضيقة، فتقدم الدعم سرًّا لها وتعمل على تخويف مواطنيها وإرهابهم علنًا منها. لذلك أدعو المسلمين كافة أن يتوجهوا إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع من أجل خلاص العالم الإسلامي من هذه الفتن والشرور.